سوريا ـ موجة جديدة من الهجمات بالبراميل المتفجرة
(نيويورك) ـ إن الحكومة السورية شنت على امتداد السنة الماضية مئات الهجمات العشوائية استخدمت فيها ذخائر تُلقى من الجو، منها ذخائر بدائية مثل البراميل المتفجرة. وكان لهذه الهجمات تأثير مدمر على المدنيين، فقد تسببت في مقتل وإصابة آلاف الأشخاص.
قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق الهجمات التي استهدفت محافظة حلب شمال سوريا، ومحافظة درعا في الجنوب، اعتمادًا على إفادات الشهود، وتحليل صور الأقمار الصناعية، وأدلّة الفيديو والتصوير الفوتوغرافي. ورغم أن مجلس الأمن أدان الهجمات في قرار أصدره منذ سنة، إلا أنه لم يردّ بعد على موجة الهجمات الجديدة.
قال نديم حوري، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “منذ سنة، لم يتخذ مجلس الأمن أي خطوات لوقف حملات القصف الجوي التي يشنها بشار الأسد على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وهو ما تسبب في ترويع المدنيين وقتلهم وتشريدهم. وفي خضم المحادثات المتعلقة بوقف مؤقت للضربات التي تستهدف حلب، يصبح السؤال حول ما إذا كانت روسيا والصين ستسمحان أخيرًا لمجلس الأمن بفرض عقوبات تهدف إلى وقف استخدام البراميل المتفجرة”.
زعم الرئيس بشار الأسد، في مقابلة مع بي بي سي في 10 فبراير/شباط 2015، إن قواته لم تستخدم البراميل المتفجرة رغم وجود أدلة كثيرة على ذلك.
سيعقد مجلس الأمن اجتماعا في 26 فبراير/شباط في إطار جولة جديدة من جلسات متابعة الامتثال للقرار رقم 2139 الصادر في 22 فبراير/شباط 2014 الذي طالب جميع أطراف النزاع في سوريا بالكف عن استخدام البراميل المتفجرة وغيرها من الأسلحة العشوائية في المناطق الآهلة بالسكان. كما قامت المجموعات غير الحكومية المسلحة بتنفيذ هجمات عشوائية باستخدام السيارات المفخخة وأسلحة متفجرة أخرى في مناطق تسيطر عليها الحكومة. وقالت هيومن رايتس ووتش إن على مجلس الأمن فرض حظر للأسلحة على الحكومة ومجموعات المعارضة المتورطة في هجمات عشوائية على نطاق واسع.
قامت هيومن رايتس ووتش بتحليل صور للأقمار الصناعية، وحددت ما لا يقل عن 450 موقعا في 10 مدن وقرى تسيطر عليها مجموعات معارضة في درعا، وأكثر من ألف موقع آخر في حلب، لحقتها أضرار كبيرة، في الفترة الممتدة بين 22 فبراير/شباط 2014 و25 يناير/كانون الثاني 2015. وتبرز آثار الأضرار التي تعرضت لها هذه المواقع استخدام ذخائر أسقطت من الجو، ومنها البراميل المتفجرة والقنابل التقليدية التي تلقى من المروحيات. كما تؤكد الأضرار إمكانية استخدام صواريخ أو قنابل جوية في عدد من الحالات.
كما قامت هيومن رايتس ووتش بتحليل عشرات مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب لمواقع تعرضت لأضرار كبيرة، ومقاطع أخرى تصور مروحيات مي 17 وهي تلقي براميل متفجرة وقنابل تقليدية على مناطق سكنية في حلب، ومدينة درعا، وبلدة داعل في محافظة درعا. وتمكنت هيومن رايتس ووتش، عبر ربط أهم الآثار المسجلة في مقاطع الفيديو بصور الأقمار الصناعية ونماذج ثلاثية الأبعاد، من تحديد تاريخ تقريبي لوقوع هذه الهجمات.
أجرت هيومن رايتس ووتش في أكتوبر/تشرين الأول مقابلات مع 20 من سكان محافظة درعا شهدوا هجمات بالبراميل المتفجرة أو تعرضوا إلى جروح بسببها، وستة أطباء يقدمون العلاج في الأردن للمصابين في الهجمات. ساعدت هذه المقابلات في الحصول على معطيات جديدة حول تأثير هذه الهجمات على سكان درعا.
قال أحد الأطباء الذين يعالجون الجرحى السوريين القادمين من درعا إلى أحد مستشفيات عمان لـ هيومن رايتس ووتش أواخر 2014 إن النساء والأطفال يمثلون حوالي ثلثي المصابين بشظايا الأسلحة المتفجرة الذين يستقبلونهم. كما قال طبيب عامل في مستشفى آخر في عمان يستقبل سوريين مصابين بجروح بسبب الحرب إن حوالي 50 أو 60 بالمائة من المصابين الذين يصلون المستشفى هم من النساء والأطفال، وإن أغلب الإصابات ناجمة عن شظايا أسلحة متفجرة.
تسببت الهجمات التي شنتها الحكومة في مقتل وإصابة آلاف المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها متمردون. وفي الفترة الممتدة من 22 فبراير/شباط 2014 إلى 19 فبراير/شباط 2015، سجل مركز توثيق الانتهاكات، وهو منظمة مراقبة محلية، مقتل 609 مدنيين، منهم 203 طفلا و117 امرأة، في غارات جوية استهدفت درعا. كما وثق المركز في نفس الفترة مقتل 2576 مدنيًا في محافظة حلب بسبب الغارات الجوية، منهم 636 طفلا و317 امرأة. ورغم أن الغارات الجوية لا تستخدم دائما البراميل المتفجرة، إلا أن سكان المناطق التي يسيطر عليه المتمردون في درعا وحلب قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن البراميل المتفجرة تستخدم في معظم هذه الغارات.
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير نشرته في 22 فبراير/شباط، إن 6,163 من المدنيين قتلوا على يد الحكومة في غارات جوية بالبراميل المتفجرة منذ تبني قرار مجلس الأمن رقم 2139، بينهم 1,892 طفلا، و1,720.
يتعين على مجلس الأمن فرض حظر على تزويد الأسلحة للحكومة السورية وجميع المجموعات المتورطة في انتهاكات واسعة وممنهجة لحقوق الإنسان. ومن شأن هذا الحظر أن يحد من قدرة الحكومة السورية على تنفيذ غارات جوية تنتهك القانون الدولي، وأن يحرم سوريا من الحصول على مروحيات جديدة أو على دعم خارجي لتشغيلها. وقالت هيومن رايتس ووتش إن على مجلس الأمن فرض حظر سفر على الأشخاص المتورطين في ارتكاب انتهاكات خطيرة وتجميد أصولهم، وإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ينص القانون الدولي على أن توفير الأسلحة لقوات أو مجموعات مسلحة في سوريا قد تستخدمها في ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية يرقى إلى المساعدة على ارتكاب هذه الجرائم. وقالت هيومن رايتس ووتش إن أي طرف يقوم بتوفير هذه الأسلحة قد يتحمل مسؤولية جنائية ويواجه المحاكمة بصفته شريكا فيها.
وقال نديم حوري: “بعد مرور سنة، يتحمل حماة الأسد في مجلس الأمن مسؤولية وقف ذبح المدنيين السوريين على يد الحكومة. ويتعين على الدول الأخرى، بما فيها القوى الغربية والدول الصاعدة، أن تزيد من ضغطها على روسيا والصين للكف عن عرقلة أي تحرك دولي للحدّ من الجرائم المروعة التي ترتكبها الحكومة السورية”.
هجمات بالبراميل المتفجرة
منذ تبني قرار مجلس الأمن رقم 2139 في 22 فبراير/شباط 2014، قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق هجمات متكررة بالبراميل المتفجرة في حلب ودرعا استهدفت منشآت طبية أو أماكن قريبة منها، ومناطق سكنية فيها مدارس ومساجد وأسواق ولا توجد بقربها أي أهداف عسكرية واضحة.
تتميز هذه القنابل شديدة الانفجار وغير الموجهة بتكلفتها الزهيدة، وهي محلية الصنع، وعادة ما تتركب من براميل كبيرة للنفط، واسطوانات للغاز، وخزانات مياه مليئة بمواد شديدة الانفجار وأجزاء من الخردة المعدنية، ويتم إلقاؤها من المروحيات، التي تحلق عادة على مستوى منخفض.
وكانت هيومن رايتس ووتش قد وثقت في الماضي الآثار التدميرية للبراميل المتفجرة على حياة المدنيين في حلب في مارس/آذار وأبريل/نيسان ويوليو/تموز.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على القادة العسكريين أن لا يصدروا أوامر باستخدام أسلحة متفجرة لها تأثيرات واسعة على المناطق السكنية لأن هذه الأسلحة عشوائية بطبيعتها.
يُبرز انتشار الأضرار وحجمها في أهم المواقع في حلب، ومدينة درعا، وفي داعل، ونوى، وانخل، وجاسم وداخل محافظة درعا أن القوات الحكومية استهدفت البلدات بأسلحة متفجرة على امتداد أشهر. واعتمادا على صور الأقمار الصناعية لمدينة درعا، خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن الضرر الأكبر لحق الأحياء الواقعة وسط المدينة وجنوبها الخاضعة لسيطرة المعارضة، بما في ذلك درعا البلد، ودرعا المحطة، وطريق السدّ، والمنشية، والمخيم الفلسطيني.
يحظر القانون الإنساني الدولي “قصف المناطق” لأن الهجمات المدفعية وغيرها من الهجمات تتعامل مع الأهداف العسكرية المتفرقة التي تقع في منطقة تحتوي على مساكن ومنشآت مدنية على أنها هدف عسكري واحد.
عدم الامتثال لقرار مجلس الأمن
إضافة إلى مطالبة جميع الأطراف في سوريا بوقف الهجمات العشوائية التي تستهدف المناطق السكنية، أدان قرار مجلس الأمن رقم 2139 بشدّة تعرض المدنيين إلى الاحتجاز التعسفي والتعذيب والاختطاف والإخفاء القسري في سوريا. كما طالب القرار بوقف فوري لهذه الممارسات والإفراج عن جميع المحتجزين بشكل تعسفي، وخاصة النساء والأطفال والمرضى والجرحى والمسنين، وكذلك موظفي الأمم المتحدة والصحفيين. ودعا القرار أيضًا جميع الأطراف إلى الكف عن فرض قيود غير قانونية على إيصال المساعدات الإنسانية.
وعلى ضوء إخفاق الحكومة السورية في الامتثال لقرار فبراير/شباط، أصدر مجلس الأمن في 14 يوليو/تموز القرار رقم 2165 الذي سمح لوكالات الأمم المتحدة وشركائها التنفيذيين بتقديم المساعدات على امتداد الحدود السورية وعند خطوط النزاع. ورغم أنه عبر عن “عزمه على اتخاذ المزيد من الخطوات في خال عدم الامتثال لهذا القرار”، لم يتبنى المجلس أي قرارات أخرى تتعلق بالمحتجزين أو الهجمات العشوائية أو فرض الحكومة لحصار غير قانوني على مناطق سكنية.
وقامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق عدم التزام عديد جماعات المعارضة، ومنها عناصر الجيش السوري الحر، والجبهة الإسلامية، وكذلك المجموعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، بمطالب مجلس الأمن المتعلقة بالهجمات العشوائية، والمحتجزين، والمساعدة الإنسانية.
هجمات على منشآت طبية أو أماكن قريبة منها
قال طبيب من المجلس الطبي في حلب، وهي منظمة مستقلة غير ربحية تقدم خدمات طبية لمدينة حلب، لـ هيومن رايتس ووتش، إن القوات الحكومية هاجمت بعض المنشآت الطبية بالبراميل المتفجرة. كما قال إن البراميل المتفجرة أصابت مستشفيين بارزين للعيان في أحياء هنانو والشعار في حلب في 13 و21 أبريل/نيسان. ويُفترض أن الحكومة تعرف أماكن المستشفيين لأنهما موجودان قبل بداية النزاع. كما قال الطبيب إن القوات الحكومية بدأت في شن غارات جوية بشكل متكرر على المستشفيات منذ يناير/كانون الثاني 2014، وأصابت مستشفيات لا توجد بها أي أهداف عسكرية في هنانو والسكري والصاخور والشعار.
وفي 22 يوليو/تموز، قال “وسيم” (تم تغيير جميع الأسماء لحماية الشهود)، من قرية جاسم الخاضعة لسيطرة المتمردين في محافظة درعا ويبلغ من العمر 24 سنة، لـ هيومن رايتس ووتش إن القوات الحكومية ألقت أربعة براميل متفجرة في محيط مستشفى الأمل، أصيب في واحدة منها بجروح:
يبعد مستشفى الأمل حوالي دقيقتين من السير عن المكان الذي أصبت فيه. لقد استهدف المكان بأربعة براميل: سقط واحد منها على المخبزة، وسقط آخر في الشارع، وآخر على مسافة 25 مترا من منزل عمي، وبرميل رابع على مسافة 25 مترًا من المكان الذي سقط فيه البرميل الأول. سقط اثنان معًا، ثم لحق بهما اثنان آخران، حوالي الثالثة والنصف ظهرًا [سقطت البراميل في سوق مكتظة]… جاء جاري لنجدتي ونقلني إلى مستشفى الأمل، الذي لا يبعد سوى 30 مترًا. لقد استهدفوا جميع الأماكن القريبة من المستشفى، وكانوا قد استهدفوا المستشفى من قبل.
أكد مركز توثيق الانتهاكات مقتل ثمانية أشخاص في الغارة، منهم ثلاثة أطفال وثلاث نساء، ومدّنا وسيم بأسماء العديد من هؤلاء، ومنهم محمد خالد الهلاكي، وزوجته، وأطفاله الثلاثة، وشقيقته. كما قال إن أشخاص آخرين قتلوا في الهجمات، ولكنه لا يعرف أسماءهم. وأبناء محمد هم خالد، وهو في الصف الأول، وهبة، وعمرها خمس سنوات، وغاية، وهي الصغرى ولا يتجاوز عمرها السنتين أو الثلاث.
كما قال وسيم إن بعض مقاتلي الجيش السوري الحر كانوا بصدد شراء الغذاء من السوق فأصيبوا بجروح جراء البرميل الثاني. وقال إنه لم تكن توجد نقاط تفتيش قرب موقع الغارة، وإن القتال الذي تزامن مع الغارة كان يدور على مسافة كيلومترين اثنين في ضواحي البلدة. قامت هيومن رايتس ووتش بمراجعة ثلاثة مقاطع فيديو على موقع يوتيوب تبرز موقع إحدى الغارات بُعيد تنفيذها، وظهر فيها جرحى ودمار مادي.
تمكنت هيومن رايتس ووتش من تحديد المكان بدقة عبر ربط محتوى الفيديو بصور الأقمار الصناعية التي تم تسجيلها قبل الهجوم وبعده. وأبرز تحليل صور الأقمار الصناعية المسجلة في 15 أغسطس/آب أدلة على وجود مواقع مدمرة بشكل متناسب مع الانفجاريات التي تنتج عن الذخائر الملقاة من الفضاء، مثل البراميل المتفجرة. وتقع الأماكن الأكثر تضررًا وسط قرية جاسم بجوار مستشفى الأمل، بشكل متناسب مع ما ذكره الشهود.
استنادًا إلى شهود وتقرير لمركز توثيق الانتهاكات، ألحقت غارة جوية نفذتها القوات الحكومية في 15 مايو/أيار أضرارًا بمستشفى الرضوان في جاسم، في ما بدا أنه قصف صاروخي. وقامت هيومن رايتس ووتش بمراجعة مقطع فيديو على موقع يوتيوب يبدو أنه يصور نفس المستشفى، مصحوب بتعليق يقول إنه صور بُعيد غارة جوية على مستشفى ميداني في 15 مايو/أيار، وحددت أدلة عبر صور الأقمار الصناعية تم تصويرها بعد الهجوم تؤكد المكان الذي صُوّر فيه مقطع الفيديو والأضرار التي لحقت به.
هجمات على المدارس وحافلات الطلاب أو على أماكن قريبة منها
أجرت هيومن رايتس ووتش أيضًا مقابلة مع “سميح”، وهو عامل إغاثة من نوى ويبلغ من العمر 50 سنة، وكان قد فرّ إلى بلدة داعل المجاورة. قال سميح إنه كان شاهدًا في 26 مارس/آذار على غارة نفذتها القوات الحكومية وألقت فيها أربعة براميل متفجرة على مناطق سكنية. سقط اثنان من البراميل على مدارس، بينما أصاب برميل آخر الطريق المؤدية إلى طفس، وسقط برميل رابع قرب مبنى سكني وسط البلدة. أصاب البرميل الرابع حافلة مدرسية، وتسبب في مقتل وإصابة حوالي عشرة أطفال، بمن فيهم ابن وبنت أخ سميح اللذان فقدا أرجلهما. كما قال سميح إن القرية كانت تحت سيطرة مقاتلين متمردين، عرّفهم على أنهم من الجيش السوري الحرّ، ولكن لم يكن المقاتلون يعيشون في البلدة.
وقال سميح لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان في منزله أثناء الغارة ولكنه شاهد المروحية في الأجواء وهي تلقي البراميل. كما قال إنه اتجه إلى المستشفى الميداني بعد ذلك لإغاثة الجرحى، وبلغ عدد القتلى 11 شخصًا، منهم سبعة أطفال، بينما بلغ عدد الجرحى 28 شخصًا.
كان أغلب الضحايا من الأطفال الذين كانوا على متن الحافلة التي أصابها البرميل المتفجر… كان عدد الأطفال في الحافلة 16 طفلا… من بين القتلى بيسان خليل الكنكري، عمرها عشر سنوات… وقتل ثلاثة أطفال آخرين من عائلة واحدة… فقدت [ابنة أخي] رجليها على مستوى الركبة… بينما أصيب [ابن أخي] في وجهه وفقد رجليه أيضًا.
التقت هيومن رايتس ووتش مع ابن وبنت أخ سميح، وكانت إصاباتهما متناسبتين مع الرواية التي قدمها سميح. كما ذكر مركز توثيق الانتهاكات أن بيسان كانت من بين ضحايا الغارة، ونشر صورة تبرز إصابتها.
وقال سميح إن الأشخاص الأربعة الذين قتلوا في الغارة هم سائق الحافلة المدرسية، وشقيقين، وزوجة طبيب محلّي. كما ورد في مقطع فيديو نشر على موقع يوتيوب إنه يصور أحد هؤلاء الضحايا، وعرّفه على أنه إياد محمد مصطفى الشريف، ولكن دون تحديد المكان الذي كان فيه آنذاك.
كما قال سميح لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يكن يوجد أي قتال في داعل عندما وقعت الغارة، وكان مركز الشرطة يبعد حوالي كيلومترين اثنين عن المكان الذي استهدفت فيه الحافلة المدرسية، ولم تكن توجد أي نقاط تفتيش داخل البلدة يُمكن استهدافها. وأوضح أن أقرب نقطة عسكرية كانت تبعد حوالي كيلومتر واحد من جهة الشمال.
قامت هيومن رايتس ووتش بمراجعة ثلاثة مقاطع فيديو نُشرت على موقع يوتيوب تصور بقايا براميل متفجرة بُعيد غارات على داعل في 16 مارس/آذار، و29 يونيو/حزيران، و7 يوليو/تموز، ومقطع آخر صوّر في 31 مارس/آذار تظهر فيه مروحية من طراز مي 17 وهي تلقي برميلا متفجرًا. كما يظهر في مقاطع الفيديو مدنيين، منهم أطفال ورجال ونساء مسنون، في الأماكن القريبة من مواقع الغارات.
تمكنت هيومن رايتس ووتش من تحديد هذه المواقع بدقة من خلال ربط محتوى مقاطع الفيديو بصور الأقمار الصناعية المسجلة قبل الغارة وبعدها. وأبرزت صور للأقمار الصناعية مسجلة في 15 أغسطس/آب أدلة على أضرار كبيرة لحقت أكثر من ثلاثين موقعًا بشكل متناسب مع الأضرار التي تخلفها ذخيرة كبيرة ملقاة من الفضاء مثل البراميل المتفجرة.
هجمات أخرى على مناطق سكنية قريبة من المساجد
قال “طلال”، وهو فلاح يبلغ من العمر 51 عاما من انخل، منطقة خاضعة لسيطرة المجموعات المتمردة، إنه كان شاهدًا على عديد الغارات بالبراميل المتفجرة. وتحدث عن واحدة جدّت في 6 مارس/آذار وسقط فيها برميل متفجر على مكان سكني قرب المسجد العمري:
كنت في الطريق إلى جاسم [عندما وقع الانفجار]… فاتجهت صوبه. كانت الشظايا متناثرة على مسافة 500 متر. وفي المنزل المحاذي للمكان الذي سقط فيه البرميل، أصيبت امرأتان بجروح، فقمت بنقلهما إلى مستشفى ميداني… لم يمت أي شخص… كانت المنازل التي سقط عليها البرميلان مهجورة بسبب الحرب. سمعت صوت [البرميل] وشاهدت المروحية… لقد سقط قرب المسجد العمري.
قال طلال لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يكن يوجد أي قتال حول موقع الغارة زمن وقوعها، وإن أقرب موقع للجيش السوري الحر كان على مسافة 500 متر إلى الشمال.
كما قال طلال إنه شاهد في الشهر التالي، يوم 2 أو 3 أبريل/نيسان، غارة أخرى ببرميل متفجر على انخل. سقط البرميل على مبنى سكني، وتسبب في مقتل شخص يبلغ من العمر 22 سنة قال طلال إنه مدني. وأضاف: “سقط برميل كبير، ثم سقط برميل ثان ولكنه لم ينفجر… كنت على مسافة 200 متر، وشاهدت المروحية وهي تلقي البرميل الأول ثم الثاني. اتجهت إلى منزل الرجل، ونقلته إلى جاسم ولكنه توفي في الطريق”. وقال طلال إن عديد المدنيين الآخرين أصيبوا بجروح: “شاهدت 13 جريحا: خمسة أطفال، وامرأتان، وثلاثة أو أربعة رجال. لقد ألحقت الغارة آثارا بإحدى عشر منزلا”. وأكد طلال أنه لم يكن يوجد أي قتال وسط القرية حيث جدّت الغارة.
تمكنت هيومن رايتس ووتش من تحديد عديد المواقع المتضررة بسبب سقوط براميل متفجرة أو قنابل تقليدية أخرى في الأماكن المجاورة للمسجد العمري في انخل عبر مقارنة صور الأقمار الصناعية المسجلة قبل الهجوم وبعده. وأبرزت صور الأقمار الصناعية المسجلة في 15 أغسطس أدلة على وجود مواقع متضررة بشكل متناسب مع استخدام ذخائر كبيرة ملقاة من الجو وسط انخل، كما ورد في روايات الشهود.
في حالة أخرى، قال “يوسف”، من قرية تل شهاب في درعا، إن زوجته قتلت وابناه شُوّها في غارة ببرميل متفجر جدّت في 22 فبراير/شباط 2014. كما قال إن أحد البرميلين سقط على منزله في أطراف القرية، وكان يبعد عن منزله فقط مسافة 5 أو 6 أمتار، ثم ألقت نفس المروحية ثلاثة براميل أخرى:
لم أكن اعتقد أن البرميل سيسقط على منزلي… كانت توجد مروحية في الفضاء، قامت بإلقاء أربعة براميل. لقد شاهدت ذلك، وسمعت البراميل تنفجر. كنت أتنفس بصعوبة بسبب غبار الانفجار. سقطت على الأرض وأكلت التراب. لقد سقط البرميل الأول على منزلي فدمّر بالكامل، بينما سقطت البراميل الأخرى على مسافة 200 أو 300 متر، ولكنها لم تنفجر.
قتلت زوجة يوسف التي كانت داخل المنزل مع طفليها. وقال يوسف: “لما شاهدت المروحية، أمرت أطفالي بدخول المنزل”. التقت هيومن رايتس ووتش مع أبناء يوسف وجرحى آخرين. وكان ابنه البالغ من العمر 9 سنوات قد أصيب في الغارة واضطر الأطباء إلى قطع رجليه على مستوى الركبة. كما قطعت رجل ابنته البالغة من العمر 7 سنوات. وقال يوسف لـ هيومن رايتس ووتش إن شقيقه أيضا أصيب بجروح في الغارة، وإنه كان يعتقد أنه لم يمت. ولكن مركز توثيق الانتهاكات قال إن شقيقه (دون الكشف عن اسمه) قتل في الغارة. كما أكد يوسف إن طفلين آخرين على الأقل أصيبا بجروح في الهجوم.
وقال يوسف أيضًا إنه لم تكن توجد أي مواقع عسكرية معلومة قرب الموقع الذي استهدفته الغارة، ولم يكن يوجد أي مقاتلين في المكان. وكان أقرب موقع للجيش السوري الحر يقع في قرية مجاورة تبعد حوالي كيلومترين اثنين عن أقرب خط قتال، وحوالي 12 كيلومتر عن مكان الغارة.