المنطقة الآمنة في سوريا.. سبات سياسي أم خطوة تكتيكية
أثارت مساعي إنشاء ما يسمى بـ”المنطقة الآمنة” شمال سوريا، العديد من التساؤلات في الأوساط السياسية، حول كونها تصب في مصلحة سوريا العامة وتخدم واقع الثورة وتشبع متطلبات الإنسان السوري، أم أنّها- حسب محللين- لا تعدو كونها تكتيكات دولية، من أجل الحفاظ على الأمن القومي لدول الجوار والبلدان الأخرى، خاصة أن تركيا تعتبر بوابة المشرق العربي للاتحاد الأوروبي.
لكن السؤال المعضلة الذي يقلق المواطن السوري: هل إنشاء هذه المنطقة هو نهاية مرحلة أم خطوة تكتيكية ضمن مجموعة من الخطوات المستقبلية؟
وفي إطار هذه التحليلات والرؤى، هناك من يرى أيضاً أنّ مثل هذه الخطوة ستدخل الحالة السورية بسبات سياسي، وتشكل مناخاً مناسباً لتجزئة سوريا، وتقسيم أراضيها واستنزاف الثورة ذاتياً في حلبة “المنطقة الآمنة”.
ويرى محللون أنّها ستكون سجناً كبيراً يضمّ الإنسان السوري، “كي يموت بصمت ولا يسبب أدنى إزعاج للدول الأخرى”، ولا سيما أنّه حتى الآن ما زال الغموض هو سيد الموقف، مع وجود اختلاف أمريكي تركي حول الأسس والقوانين التي ستحكم المنطقة، وهل ستكون مسألة حظر الطيران فيها أمراً مشروعاً، أم لا.
جانب قانوني
يؤكد المحامي عمار رجب تباب، مدير العدالة الانتقالية سابقاً والخبير بقضايا القانون الدولي: “إن الحديث عن المنطقة الآمنة يضعنا أمام عدد من التوصيفات القانونية، التي تعتمد في أغلبها على الدافع وراء إحداث هذه المنطقة، فإن كنا نتحدث عن خوف تركي من إقامة دولة كردية أو دولة أيديولوجية متمثلة بداعش، في الجنوب التركي، وهو ما قد يؤثر على الأمن الداخلي للبلاد، فإن عملية إقامة منطقة آمنة ربما تدخل في باب الدفاع عن النفس المعترف به وفق ميثاق الأمم المتحدة، كمبدأ رئيسي”.
ويضيف في حديث لـ”الخليج أونلاين”: “أما إذا كنا أمام طموح تركي للتخفيف من معاناة الشعب السوري الذي يعاني الأمرين منذ خمس سنوات مضت، تخلى بها العالم عنه، فإن إقامة هذه المنطقة ربما يكون داخلاً في إطار التدخل الإنساني الذي تكثر الأمثلة عليه”.
ويؤكد أن “المنطقة الآمنة لا تكون بدون حظر طيران يسمح بحياة آمنة، ويسهّل على الهيئات التنفيذية والإغاثية القيام بمهامها. ويتم تكليف دولة أو اثنتين بتنفيذ هذ القرار بالقوة، ويمنع تحليق أي طائرات عسكرية حول المكان”.
من المستفيد؟
عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السابق لسوريا، أكد في تصريح لـ “الخليج أونلاين” فيما يخص إنشاء المنطقة آمنة وانعكاسها على مجريات الحال في سوريا، أن إنشاءها لا يفي بالغرض، وغير كفيل بحل مشاكل السوريين؛ “فالواقع السوري لا يمكن أن يحل بشكل جزئي، فهذا الأمر من شأنه حماية دول الجوار فقط، ولا يشكل حلاً لما يعاني منه واقع الثورة السورية، التي من المحال أن تكون إلا بإسقاط فوري لنظام الأسد بالكامل”.
مصادر خاصة أكدت لـ”الخليج أونلاين” أن الائتلاف الوطني السوري انقسم أثناء نقاشاته ما بين مؤيد ومعارض لإنشاء المنطقة الآمنة، فالمعارضون لذلك يتذرعون بأنّ “مثل هذه المناطق بحاجة إلى دعم موازٍ للجيش الحر أولاً لكي يتمكن من حمايتها”، مضيفين أيضاً “أنّ إمكانيات المعارضة الحالية لا تمكنها من إدارة المنطقة، وأن الوعود بالدعم المالي لتسيير أمورها غير مؤكدة، حسب ما يبيّنه واقع تعامل ما يسمى بالدول الصديقة مع الثورة السورية؛ وهذا ما سيؤدي إلى تحميل المعارضة وزر فشل إدارتها، في حين أنها لا تملك حولاً ولا قوة، وليس في جعبتها سوى الوعود والآمال”.
ويرى آخرون بأنها “وسيلة النجاة الوحيدة للمدنيين والمعارضة في هذه المرحلة، حيث إنّه إذا ما قورن بين إيجابياتها وسلبياتها، لرجحت إيجابياتها بشكل كبير”.
في حين رأى الصحفي أحمد كامل أن “المشاكل التي ستواجه المعارضة في المناطق الآمنة هي أزمات موجودة في كل الأماكن، ولكن جميع تلك الأزمات ستكون قابلة للحل، ولا سيما أنّ المنطقة آمنة، وهذا من شأنه أن يساعد على الوصول إلى حلول ممكنة، وفي حال عدم النجاح بالوصول إلى الحلول، فإن المشكلة فينا وليست في الآخرين”.
نهاية مرحلة أم خطوة
ويؤكد الكاتب المتخصص في الشأن التركي، المقرب من دائرة اتخاذ القرار في الحكومة التركية، محمد زاهد جول، بأنه لا يمكن لتركيا أن تتورط بالشأن السوري، مبيناً ذلك بقوله: “تركيا تهتم بالجزء المتعلق بالحدود فقط، فلن تقاتل تنظيم داعش في الزبداني أو خارج نطاق الحدود، ولن تتورط في الحرب الدائرة في سوريا، ولكن من المهام التي لا يمكن إغفالها هو واجبها نحو أمن الحدود”.
ويضيف: “لن تقتصر محاربة القوات التركية على داعش فقط، بل بدأت أيضاً بمحاربة المليشيات الكردية، فتم استهداف جبل قنديل، واستهداف قوات حزب العمال الكردستاني، ولا أستبعد استهداف كافة مراكز المليشيات الكردية في سوريا بالقريب العاجل. باختصار؛ تركيا تهتم بحماية أمنها القومي”.
وكان نصر الحريري، الأمين العام السابق للائتلاف الوطني، طالب بـ “ضرورة الإسراع في فرض مناطق آمنة في شمال سوريا وجنوبها، وفق دراسة كاملة قدمها الائتلاف حول هذا الموضوع”.
ويتابع بالقول: “لا بد من دعم الجيش السوري الحر بما يمكنه من حماية المدنيين، وإيقاف الغارات الجوية لطيران الأسد الذي يستهدف الأحياء السكنية”، لكن الحريري حذر من حالة السبات السياسي التي ربما تكون نتيجة إنشاء هذه المنطقة، وقال: “هذه المنطقة الآمنة التي نطالب بها، لا نريدها أن تكون نهاية المطاف، لكنها عنوان لمرحلة، وخطوة تكتيكية للوصول إلى الهدف الأساسي في إسقاط الأسد ومرتزقته في سوريا”.
وحسب مصادر خاصة بـ”الخليج أونلاين”، كان الحريري قد أضاف أثناء لقائه مع مسؤولي الخارجية التركية سابقاً: “إن التباطؤ في الخطوات التي تلي إنشاء المنطقة الآمنة والهادفة لإسقاط نظام الأسد، لن يكون لمصلحة أحد على المستوى البعيد؛ فعدم الإسراع في إسقاط الأسد يعني أن سوريا تسير نحو التقسيم الطائفي والعرقي والديني، ومن واجب الجميع في المنطقة الوقوف بوجه العبث بهذه المكونات، فالمتضرر الأكبر من ذلك هي سوريا بالدرجة الأولى، وتليها البلدان المجاورة”.
وفي نفس السياق، كان أحمد طعمة، رئيس الحكومة المؤقتة، قد قال في تصريح سابق لقناة العربية إن منطقة آمنة واحدة لا تكفي، بل لا بدّ من مناطق عدة، وأضاف: “نحن بحاجة إلى 3 مناطق آمنة، في شمال سوريا ووسطها وجنوبها”. موضحاً أسباب ذلك بقوله: “المنطقة الآمنة أصبحت ضرورة لعدة أسباب، أهمها كبح جناح التشدد في مناطق عدة بشمال سوريا، إضافة لتمكين الحكومة المؤقتة من تقديم خدماتها على أوسع نطاق في الأراضي السورية”.
لماذا الآن؟
تباطؤ الحكومة التركية في اتخاذ مثل هذا القرار، برره زاهد جول، بأنّه كان في حيز الدراسة وعلى طاولة الأجهزة السيادية منذ زمن، مضيفاً: “في تركيا آلية اتخاذ القرار بطيئة، لكن عندما يتخد القرار يكون هذا القرار مدروساً للغاية من كافة الجهات، ويكون هناك تفاعل بين كافة الأجهزة السيادية، فإن مشاركة آلاف من الشرطة التركية في اعتقال 600 شخص، بالتزامن مع هذه العمليات العسكرية للقوات التركية، يؤكد أن هناك تخطيطاً على المستويات كافة منذ زمن حيال ذلك”.
وبيّن جول، لـ”الخليج أونلاين”، أن” هناك تنسيقاً ما بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية في أن تكون الخطوة التالية لضرب تنظيم داعش هي إنشاء منطقة آمنة على الحدود السورية التركية”، موضحاً أن السلطات التركية بدأت أيضاً بالتنسيق مع قيادة الناتو، “ولكن بشكل أقل”.
وكان مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي، قد أكد في مؤتمر صحفي له “أن الأراضي التي سيتم تطهيرها من مسلحي تنظيم الدولة في شمال سوريا ستصبح منطقة آمنة”، موضحاً ذلك بالقول: “عند تطهير المناطق في شمال سوريا من تهديد تنظيم الدولة ستتشكل مناطق آمنة بطبيعة الحال. فقد أيدنا دائماً وجود مناطق آمنة ومناطق حظر طيران في سوريا، لكي يستطيع الأشخاص النازحون الانتقال لتلك المناطق”.
أما الإنسان السوري الذي ما زال ينقب في ملفات حقوق الإنسان عن قانون دولي يستطيع التفيؤ بظلّه من براميل الأسد وقذائف طائراته الطائشة، فلم يعد يهمه كل هذه التحليلات والرؤى، وهل كانت محاكاة المجتمع الدولي متأخرة أو مبكرة، من أجله أم من أجل غيره، فهمُّه الوحيد اليوم، هو البحث عن حقه في الحياة، حتى ولو كان بالتقسيط.
الخليج أونلاين