أحمد سليمان : إصحاحٌ سوري ( 1 )
- للحق ، كنتِ منصفة بقول كل شيء : القسوة ، أكاذيب الساسة ، تجار الأديان والقوميات والنخاسة الأممية
- أجد المطالبة بمحاكمة رئيس أباد السوريين على نحو ما ، مجرد نكتة سوداء ، لأن الحق يقضي بسحله أمام ضحاياه ، ووضعه بقفص ، ثم إفلات الكلاب المتوحشة عليه
- أغلب المطالبات باتت مُلتبسة ، و كثير منها لم تعد مُحقة كونها أصبحت طرفاً متورطاً بحرب أبعدتهم عن وطن جمعهم منذ قرون
وقع أبناء البلاد بفخ أعقد من حرب فيتنام و أقسى من آثر قنبلة رمُيت بهيروشيما . فراحت كل دول العالم تتقاسم ما يعنيها من بلادنا ، تخاطب إعلامي يرافقه عسكرة عبثية ، مؤتمرات تُعقد وتصدر قرارت غير مُلزمة ، ثم يستمر التقاتل ريثما يأتي موعد مؤتمر آخر ويتكرر ذات المشهد .
حروب موكلة لفرق تدمير ، البعض يدعم رئيس أصبح مجرم حرب وآخرين يدعمون مجموعات تدربت بفروع مخابرات و أوكار جواسيس . أُفردت لهم طاولات قمار سياسي ، وأعلنوا عن بازار بإسم الدفاع عن حقوق دينية أو قومية .
أغلب المطالبات باتت مُلتبسة ، و كثير منها لم تعد مُحقة كونها أصبحت طرفاً متورطاً بحرب أبعدتهم عن وطن جمعهم منذ قرون .
بالرغم من هذا وذاك ، سيخرج القيح الذي تجمع بسبب قوى هدّامة ، كتلك المعنية بنبش قبور التأخر لجعلها عناوين تحدد مستقبل البلاد .
للتو ، و أنا أُقلّب وصية إنتحاركِ ، أخذني رشاقة الكلام ، عمق السرد المترامي بين فكرة رسم تشكيل و رثاء ، أقنعتني أغلب ما حملتها اللوحة في رسالة ربما إستغرقت منكِ كتابتها عامين ، ذات الوقت الذي كنا كمعذبين تجمعهما حديقة عطشى و زمن جائع .
لم تهملي تفصيلاً صغيراً بما في ذلك الحرب السريرية المقدسة ، كعاشقين إنتهيا بمأزق أسس له أشباه بشر هبطوا من إسطبلات منسية يقودهم أخرق متخصص بالدفاع عن جارته فيما يطبق على أطفاله و زوجته قوانين جاهلية .
إن فظاعة القوانين وبيروقراطيات الغرب الديمقراطي ﻻ تعتمد الأخلاق كمعيار ، لكنها في ذات الوقت تختزن بحواسيبها معلومات مواطنيها منذ ولادتهم إلى لحظة موتهم ، هكذا بمنتهى الحياد الأبيض ، بوسع أي كان التسلل تحت مسمى الحريات و جعل حياة الناس أشبه بجحيم .
البؤس كما ألاحظه بالتطبيقات ليس بقوانين حماية الأفراد ، جمعيات الدفاع عن المعنفات ، البعض منها ، حين لا تجد لديها أنشطة تنصرف الى ابتداع مظلوميات و تصدر وثائق عن حوادث غير موجودة . يكفي ان تدلي سيدة حكاية مع شريكها لنجدها بعد أيام منتسبة الى بنك المطلقات صحبة مستشار نفساني ومؤسسات عابرة للزوجات .
الأعوام المدونة في الوصية ، تروي عل شكل لوحات ليس بوسع أحد فهمها ، حتى انني مازلت أقلب فيها ، و قد مرَّ وقت كثير فيما أنقر رأسي بلا توقف .
عطشى وذاهبة في الحقول
حديقَتُكِ حرثها برد
لن تكوني بمأمن والشقاء ظلك
ماذا لو أغلقوا باب حديدي على أصابعكِ ، وسكبوا على وجهك الطفولي ماء ساخن بهدف الحصول على معلومات ؟ أعتقد انكِ ستعترفين بما لا تعرفينه ، فأنتِ لا طاقة لكِ على تحمل أي شيء ، في البدء ستقولين بإنكِ أول سيدة تتقن فرم البقدونس وتقشر البصل بدون أن تدمع عينيها ، وتحمص الخبز بمجرد أن تلمس الرغيف ، وإنكِ غير معنية بالرسوم المنفردة على حيطان المنزل ، كما إن علاقتكِ بأكل اللحوم منعدمة لأن الأدوية جعلت منكِ نباتية متفرغة لشرب المتة وإعداد تبولة الميلاد . فيما زوجكِ يعزمك على عرق التين ويمنعكِ عن تدخين السجائر ، كونها تلون الأسنان و تجعلها تتعفن ، أيضا إنها تفسد هواء المنزل و رائحتها تبقى عالقة بالأبدان والملابس ، و تؤكدين إنها غير مُحببة لكِ ، و هكذا تكررين لهم ما أقوله لك دائماً .
ثم تنصرفين للحديث عني ، كأول من عمل على تخزين أفكار تجعل الإنسان قارئ جيد للشعر . عندها سيلتفت إليك المحقق ساخطاً من هذه المعلومات التي لا تعنيه بشيء – هذا مؤكد – لأن كلامكِ لم يقنعني حتى فكيف بمن لا تهمهم حياة البشر !!
أما بعد جلسات تعذيب كالتي تعرفينها عن إغتصاب الفتيات الصغيرات ، ثم رشق ماء النار على أجسادهن أو لسعهن بالكهرباء ، ربما حينها سيكون لك كلام مدون و إعترافات سلبية حتى بحق نفسك .
لنقل أيضا إنك تعلمين عن طفلة في السادسة عشر وأمها ، الموجودتان أمام محقق ، يسألهن عن قريب ، ربما شقيق أو زوج ، أو حتى متظاهر و حين يئس منهن أفلت عليهن عناصر الفرع وتم تداولهن بوحشية مُفرطة .
حملت الأم و هي داخل السجن ، كذلك الطفلة ، التي ماتت اثناء الإجهاض . و بعد حين وجدوا الأم غارقة بالدماء في محاولة إنتحار أدت إلى شللها . ثم احتفت هي وجنينها بين غرف المرضى في سجن النساء .
هنا مشهد يعنيك بالمطلق ، تعرفينه بشكل كبير ، وأنت معصوبة العينين ، لا تهمة محددة ، لا أسئلة واضحة ، كانوا طوال الوقت يسألونكِ بما تفكرين ، و لماذا أنتِ هنا بغرفة لا تتسع حتى للتحرك بمفردك .
حين نزعوا الكيس عن رأسكِ ، همس إليكِ أحدهم : كوني مطيعة و ذكية بالإجابة .. ستخرجين .
كانت الزنزانة بلا أي ملامح ، و لستِ على دراية كاملة بالمكان ، إن كنت تحت الأرض أو إنك بالقرب من غرفة المحقق .
بعدها ، أرخيتِ جسدكِ و جلستِ أرضاً لتقفي ملمح ما يُحيط بكِ ، بالرغم من العتمة رحتِ تتفحصين بأصابعك المتورمة السائل الذي يتسرب من أسفل الباب حيث الشق الصغير الذي يمر عبره ضوء خفيف ، أيقنتِ حينها إنه الدم ، مصحوبا برائحة عفن المكان في الخارج ، فجأة ينفتح الباب ، يسحبك عسكري بعنف ، لكنك حينها كنت فرحة ربما لأنك لم تكوني مقيدة أو معصوبة ﻷول مرة منذ وصولك إلى هذا المكان ، لكن في ذات الوقت طلب منكِ أن تخفظي رأسكِ .
البطولة يا حلوتي ، ليست بالخروج من المُعتقل بأقل ما يمكن من الأذى والعقاب . لأن ذلك يخفي تواطئ مُعين ، كمن يبرر القتل لمن هم يفضلون البقاء على أن يخرجوا ضمن صفقة مساومة بمعلومات عن رفاقهم .
لست بالبطل ، و ﻻ أَخبرْ الكثير عن مقاومة الجسد لطرق التعذيب ، و إن مررت قبل ما يزيد عن عقدين بواحدة من مختبرات الغرف السرية ، حيث تم رميي صحبة كثيرين بدرحة عالية البرودة ، طقس نسميه زمهرير ، عندما إنهالوا علينا بالضرب و الركل ثم الصعق بالكهرباء .
عرفت فيما بعد إنهم حملونا للمعاينة لدى طبيب كل أدواته سماعة و إبرة واحدة ، ربما يحقن بها أغلب المعتقلين .
لهذه الأسباب و سواها ، أجد المطالبة بمحاكمة رئيس أباد السوريين على نحو ما ، مجرد نكتة سوداء ، لأن الحق يقضي بسحله أمام ضحاياه ، ووضعه بقفص ، ثم إفلات الكلاب المتوحشة عليه ، كنوع من الترويع ، قد يشعر حينها كم من بشر ماتوا على أيدي جنوده و قد حان وقت التعرف على جرائمه التي نتج عنها هذا التفكك و الدمار و مَقتَلة شعب و بلد كامل .
أعاين لوحاتكِ بدقة كبيرة ، فهي حمراء مطفأة ، كما الدماء التي تُراق ، ليس بوسع أحد فهم أمور كثيرة ، ثمة ما هو بائن بالطبع ، للحق ، كنتِ منصفة بقول كل شيء : القسوة ، أكاذيب الساسة ، تجار الأديان و القوميات و النخاسة الأممية .
المُحزن بالأمر إنني لم أجد على نحو ما ملامح تخصني ، كأن بي أبداً لم أكن أصغر عاشق حتى ، أو رفيق عابر .
ربما أستحق أن أترمل في وقت مُبكر ، و أنتِ ذاهبة في عُرس أحمر، شاهدة على مقتلة الذي وضع قدميك على كفين من ياسمين .
من جديد أدرك وحدتي ، رافضاً فكرة الغياب ، أغلقت باب بيتي و قد كتبت على الحوائط : لا يوجد عندنا مكان للعزاء .
3 أغسطس
-
نص من كتاب أعمل عليه