أحمد سليمان : وجد .. و موسى و أم صغيرة
بينما كنت في الطريق إلى بيتي رأيت شابا صغيرا لا يتخطى السابعة عشر، صحبة طفلة ذات السنوات الثمانية ، بدا لي خائفا حد السقوط ، سألته عن وجهته ، أجابني ” نحن هربانين من الكونترول ، ما عنا مصاري ” ثم اعطاني رقم أمه بهولندا كي اهاتفها ، طلبت منه رؤية الوثائق والأوراق التي معه حتى استطيع مساعدته ، فأعطاني كامل ملفه ، قلت له لا تقلق انت الآن بمكان آمن ولن يزعجك أحد ، لأنك تملك استمارة مرور مكتوب عليها وجهتك ، في المحطة القادمة نحن مضطرون للنزول تجنبا للمخالفة المالية الكبيرة ، سننزل معا و نتكلم مع أمك ، سوف أساعدكم للسفر بأمان .
في هذه الأثناء رأيت الطفلة توشوش الشاب ، فهمت منهما غير مطمئنة ، على الفور قلت لهما سأرسم لكما طريق الذهاب الى هولندا ريثما نصل المحطة القادمة وتستطيعان المتابعة بدون أي قلق .
دخلت الى غوغل وحددت المكان الذين نحن فيه ، وصولا الى آخر مدينة ألمانية على حدود هولندا حيث سينزلان لتغيير القطار الذي سيقلهم إلى لاهاي .
طلب مني كي أزوده بخريطة الى بعد ذلك ، وعدد المحطات التي سيمر بها . قلت له عندما ننزل سوف استخرج لكما برنامج مفصل من موظفة القطارات سوف تتمكننان من السفر بدون أية عوائق .
طلب مني كي اضيفه على ” واتس أب ” بهدف التواصل اذا اقتضى الأمر ، ففعلت ، ايضا طلب مني اضافة رقم امه كي ابلغها عن برنامج ذهابهما .
على الفور وصلتني اشارة من انت لو سمحت ؟ طلبت من الشاب الرد مباشرة : عرفت حينها ان أمهم عادت الى ألمانيا وهي بقرية لا تعرف اسمها باللفظ الالماني . طلبت منها ان تستعين بأي شخص ألماني موجود بمحيطها .
فوصلني الرد انها تبعد عن ميونخ 120 كم ، ثم طلبت مني ان ابقي الاثنان لدي ريثما تأتي هي الى ميونخ . قلت لها لديهم بطاقة تمكنهم للسفر اليك لا تقلقي ، سوف أدهلهم وذلك ليس صعب . لكنها اصرت بأن تأتي هي لتأخذهم ، وحددت بأنها ستكون في اليوم التالي بمحطة القطار بعد الساعة الثانية ظهرا . اجبتها لا بأس سيكونان بأمان ريثما تأتين .
الإشكالية بالأمر انني انتقلت الى شقة جديدة وكل أمور البيت مازالت غير مهيأة لإستقبال أحد . قلت لهما اننا سنعاني لقضاء ليلة من الفوضى لكنكما ستكونان بأمان .
كان ذلك يوم السبت ، توجهنا على الفور الى الماركت وأخذنا ما نحتاجه ليومين وبعض السكاكر وما تريده الصغيرة .
في المنزل فتحنا التلفاز على مشهد أخبار التقاصف والمجازر الروسية الأسدية في بلدنا ، ثم أكلنا وانتشرنا للتجول بمحيط المنزل ، كان الطقس بارد جدا وعدنا على الفور الى المطبخ بينما الصغيرة تفرغت للتلفاز ومشاهدة ” توم وجيري ” .
طرق باب البيت ، وإذ بجارتنا تسأل ان كانت الصغيرة تحتاج لمساعدة ، اجبتها بأنها لا تتكلم الألمانية ، سيكون ذلك صعبا ، قالت لا تقلق سأتصرف لدي أطفال وأرغب بأن يلعبان معا بالمنزل . سألت الطفلة واسمها ” وجد ” لكنها رفضت ، فضلت البقاء بالمنزل ، اعتذرت من السيدة وطلبت منها ان تأتي بطفليها ، فعلت بلا تردد وقد جلبت كافة الألعاب ثم امتلئ البيت صخب طفولي عظيم .
تسألني السيدة هل هؤلاء اخوتك وأين أمهم ؟ وجدت نفسي مضطرا لإخفاء بعض المعلومات تجنبا للمسائلة ، الشيئ المهم بالأمر ان الجميع لا يتقن لغة للتفاهم سوى الإيماء الطفولي ، أخذت الشاب جانبا وشرحت له الموقف المحرج بالنسبة لي لأنني قلت للسيدة بأن ضيوفي هم أقرباء وسوف تأتي أمهم غدا .
بعد قليل جاءت وجد وقفزت نحوي قائلة ” عمو انت مثل بابا .. الله يرحمو ” ثم وضعت قبلة طفولية . كدت أختنق لشدة عاطفتي إزاء الأطفال وقسوة ما سمعته عن موت والدها.. انصرفت وجد إلى الألعاب والطفلين الجميلين كمثلها ، تمنيت لها ان تكون مسرورة وان لا تشعر بفراغ .
انتبهت السيدة للموقف ، سألتني : هل انت بخير ؟
اجبتها دائما بخير طالما الى جانبي عائلتان .
ابتسمت وأثنت على كلامي
ثم ذهبنا الى المطبخ لتحضير بعض السوائل الشاي والعصائر وما يحبه الجميع ، غابت لنصف ساعة ثم عادت بيديها حساء الدجاح ، كانت أعدته قبل زيارتها . وهكذا الى ان صار المساء حيث أعددنا طاولة عامرة بالطعام .
في اليوم التالي ، أي حين التقيناا لأم بمحطة القطار ، طلبت منها التفكير بالوجهة الصحيحة لطلبات اللجوء ، و رحت استمع أيضا لقصتهم التي أثارت فضولي ، أدركت حينها إنهم سيكونون بذمتي ويترتب عليّ توجيههم .
أول ما لفت انتباهي صغر سنها ، هي بالكاد تتخطى الثلاثين او أكثر بعامين ، سألت الأم عن الشاب الصغير ولهفة إهتمامه بالطفلة وجد .
قالت حين تزوجت كان عمر أخي ” موسى ” عشرة أعوام ، كان متعلقا بي بشكل كبير ، نحن بالأصل من عائلة يتامى ، توفي والداي بحادث سير ، و تربينا عند أختي الكبرى .
عند بدء الثورة اختفى زوجي عند حاجز للنظام ثم فقدنا أثره ، أنفقنا ما بوسعنا من مال ووقت إلى أن عرفنا قبل عامين انه تم استهداف مكان احتجازه بالقصف من ذات القوات النظامية التي كانت تحرسهم ، قيل لنا بأن السجن تعرض لهجوم في محاولة لتحرير المكان . بعد ذلك طلبت من أخي الصغير ان يلازمني البيت ، وهكذا عشنا معا كما لو انني أما له و لوجد .
تفرقنا حين اشتد القصف على حماة ، تم تعرض منزلنا للقصف فيما كنا في زيارة لأختي الكبرى . وقد استطاعت اخراجنا الى تركيا صحبة مع زوجها واولادها . لكننا أثناء رحلة العبور من البلقان تهنا وقد سجلت اسماء الجميع ومواصفاتهم لدى الصليب الأحمر كي يساعدني بالعثور عليهم ، عندما كنت بهولندا وصلتني اشارة من ” واتس أب ” بأنهم تحصلوا على معلومات مطابقة ﻷختي وعائلتها بأنهما ربما بألمانيا ، لهذا السبب عدت الى ولاية باير حسب الإشارة التي وصلتني .
سألتها وكيف تركتي ابنتك واخيك ؟
قالت بكل أسف طلبت منهم ان يتقدما بطلب اللجوء بالنمسا واتفقت معهم ان أذهب الى هولندا لعدة أيام اذا وجدت الأمور هناك جيدة سأطلب من السلطات إستقدامهم ، لكنني صُعقت حين وصلتني رسالتك التي تبلغني فيها أن وجد و موسى بألمانيا وفي طريقهم الى هولندا ، كان ذلك مفاجأة بالنسبة لي فلم أعرف لماذا لم يقدما لجؤ بالنمسا حسب طلبي منهم ، خصوصا انني تركتهم بأمان مع سيدة وزوجها وهم من معارفنا .
على الفور تدخل ” موسى ” قائلا : اثناء وجودنا بالنمسا قالوا لنا لا أمل بالبقاء بالنمسا وسوف نكون برعاية مؤسسة وصية علينا، حينها خفنا من عدم استطاعتك بجلبنا ، لهذا السبب اقترحوا علينا للسفر بالقطار الذي يذهب الى مدينة ” باساو ” اول نقطة حدودية بألمانيا ومن هناك صعدنا مع اشخاص بقطار آخر وتعقبنا رسائلك من هولندا واسم الكامب الذي ذكرناه للبوليس ثم اعطونا ورقة مرور .
21.011.2015
المصدر : نشطاء الرأي