أحمد سليمان : في جنيف .. سلام مفخخ و دستور بلا مواطنين
- لا أصدق مساع كائن مثل ” ترامب ” فهو يدير الرئاسة بعقلية مسؤولي شركاته الإستثمارية ، افتتح نشاطه الرئاسي بتطبيقات عنصرية طالت حتى المواطنين الأمريكيين ، اليوم تحديدا اعتقل العشرات فور نزولهم بالمطارات الأمريكية ، أغلبهم من اللاجئين السورييين .
- روسيا تحاول جعل مفاوضات جنيف مجرد تكملة لما بدأته بمحادثات الاستانة والتفرد بصيغة البديل المستقبلي لسوريا بدون رقابة اممية ، بمعنى ان يتحول المؤتمر الى مجرد جلسة استماع والمصادقة فقط
- الواضح انه يتم تهيئة اجواء مشحونة وغير مستقرة ، نجد ملامحها بالدستور ( الروسي/ الكردي ) المقترح على السوريين
في لقاء استانة الذي اننهى بدون تثبيت لوقف اطلاق النار وبدون تسهيلات اغاثية ، لنقرأ بعد حين في كواليسه محاولات روسية للإلتفاف على مؤتمر جنيف قبل حدوثه ، تمثل ذلك بطرح رؤية وافكار مستقاة بالأساس من الدستور الذي تم تسريبه للاعلام على مراحل .
الهدف الأساس كما هو بائن ، ان روسيا تحاول جعل مفاوضات جنيف مجرد تكملة لما بدأته بمحادثات الاستانة والتفرد بصيغة البديل المستقبلي لسوريا بدون رقابة اممية ، بمعنى ان يتحول المؤتمر الى مجرد جلسة استماع والمصادقة فقط .
في ذات اللحظة التي يتباحث فيها جماعة الاستانة من روس ومعارصة ونظام ، صرح الرئيس الأمريكي عبر تغريدة ثم اعقبه بخبر صحفي رسمي يتبنى بكلامه وبشكل واضح ضرورة انشاء مناطق آمنة في سوريا . من جهتي من جهتي لا أصدق مساع كائن مثل ” ترامب ” فهو يدير الرئاسة بعقلية مسؤولي شركاته الإستثمارية ، افتتح نشاطه الرئاسي بتطبيقات عنصرية طالت حتى المواطنين الأمريكيين ، اليوم تحديدا اعتقل العشرات فور نزولهم بالمطارات الأمريكية ، أغلبهم من اللاجئين السورييين . بموجب قرار يمنع اللاجئين السوريين تحديدا من دخول الولايات المتحدة إلى أجل غير مسمى، مستثنيا بذلك “الأقليات الدينية”، في إشارة إلى المسيحيين السوريين . القرار نفسه يفترض أنه بعد تسعين يوما من الآن ستأخذ مفاعيل خطة لإقامة مناطق آمنة للسوريين داخل سوريا ، إلى أن تتم إعادة توطينهم أو ترحيلهم إلى دولة ثالثة . حقبة رئاسية قد لا تعبر عن جمهور الأمريكيين الرافضين لنزعة هذه القوانين ، لكنها حصلت .
- لمن المناطق الآمنة ؟:
عندما يتحدث رئيس غربي عن مناطق آمنة ، هذا يدل انه سيكون لذلك أثمان مؤسفة . لذلك علينا فهم الواقع السوري وآلية الطرح الدولي للمناطق الآمنة التي هي اصلا مطلب كان يجب تطبيقه قبل سنوات ، ليس بعد ان تحولت البلاد بجهود دولية الى بؤر وثكنات ومجازر يومية نتج عنها مقتل قرابة مليون انسان بالاضافة الى اقتلاع وتشريد نصف السوريين ، الى جانب ترسيخ حالة كردية تسيطر على الشمال السوري كنوع من محاولات فرض سلطة الأمر الواقع واعلان مشروع انفصالي في معين قادم .
المشهد كالتالي : الجيش الروسي يتحرك بموجب تفاهمات اقليمية ، وله قاعدة دائمة بالساحل ، اما الجيش الأمريكي له قوات في الحسكة ، بمعنى ما كطرف داعم لحالة تقسيم الشمال ، مهمة هذا الطرف الكردي محددة وصريحة التلويح بالتقسيم بين الحين والآخر ، أما الحزام الأمني ، ايضا سيكون بموجب توافق دولي أداته قوة سورية بإشراف تركي .
واقعيا ، ان الكلام عن المناطق الآمنة يعتبر كناية عن محميات تفصل مناطق سورية عن بعضها ، والسؤال الأهم ، طالما الحل السوري النهائي قادم قريبا ، حسب تصريحات السياسيين واللاعبين الكبار برسم سياسات المنطقة ، ما مبرر انشاء المناطق الآمنة ؟! على يبدو انهم يخططون لتفخيخ ” السلام المزعوم ” حيث يتحول القتال في هذه المرة بمسميات وأدوات مختلفة ، وربما ينتج عنه أشكال أبشع عن مسالخ الجهاد ، بل أفظع من رمي البراميل المتفجرة والصواريخ الروسية الأسدية .. ربما لهذه الأسباب أعلنوا الى تبني فكرة انشاء المناطق الآمنة .
عدا ذلك ، ووفق المنطق الروسي ، سوف نلاحظ بين الحين والآخر حالة فلتان واعتداءات متبادلة في ذات المناطق ، بتنسيق مباشر مع ذات القوات التي تستقر على مشارف كل منطقة تسمى آمنة ، مرة تحت مسمى محاربة الإرهاب ومرات تحت مسمى السيادة السورية التي هي اصلا غير موجودة إلا بأذهان أفول نظام يتحرك وفق سيناريوهات مكانها روسيا وإيران .
الواضح انه يتم تهيئة اجواء مشحونة وغير مستقرة في البلاد، نجد ملامحها بالدستور (الروسي/ الكردي )المقترح على السوريين .
- دستور بلا مواطنين :
بالرغم من اهمية الكثير من بنود الدستور وهو اصلا خطاب يحاكي رؤية متباينة لدى الكثير من السوريين ، خصوصا بما يتعلق بصلاحيات الرئيس وعدم اشراك الجيش بأي نزاعات اصافة الى عدم الاشارة الى دين الرئيس واعتبار الدولة حاضنة للجميع التي تساوي بين جميع المعتقدات والأديان والأفكار .
لكن ثمة مسمار تم دقه من قبل فئة حزبية ، أو على الأقل شاركت تلك الفئة بصياغة الدستور ، بالطبع ذلك يدعم فكرة التقسيم من خلال البوابة الفدرالية التي اعلنوا عنها سلوكا متذ االايام الاولى بمواجهة الاحتحاجات السلمية ضد شار اسد . ان الفقرة واضحة بمدلولها المقونن ويريدون من السوريين ان يقتنعوا به . اعني الفقرة الخاصة بتغيير حدود البلاد . اضافة الى اعتماد اللغة الكردية منناسين لغات منداولة وبكثرة في سوريا . الأرمنية والتركمانية ، والأرامية وسليلتها السريانية وغيرها .
قلتها قبلا وهنا أكرر : إن بقاء لغة البلاد كأي بلاد أمر لا يششغلني وربما لا يشغل السوريين ، فإذا كتبَ السوريين دستورهم ، لابد من تدارك فقرة ” لغة البلاد ” لأن الصيغة المقترحة ليست سورية ، إنما جاءت تلبية لبت الشقاق ، على اعتبار ساوت بين مكون كردي وعربي ، وتغافلت عن بقية المكونات ، بالتالي نحن أمام إعلان استفزازي ، بل صيغة غير عادلة بين السوريين .
القضية واضحة للسوريين ، كما هي واضحة لمن يسعى لجعل سوريا مجرد بلاد تتجه الى تقسيم مبرمج ، او ما يشبه دويلات ، او حتى حارات طائفية ، قومية ، تدار بما بساعد مصالح واطماع دول القرار الاقليمي والدولي .
- تفصيل شركات جهادية :
بكل فصل واحدة ، نظرية ” الفوضى الخلاقة ” طبقها السفاح بشار أسد وأبدع فيها ، طبعا بمساعدة ادعياء الوطنية والقومية والأممية وحمير الجهاد .. التاريخ المعاصر بهذا المعنى يلمح الى كتابته صانعي القرار ويتلقفه المأجورين لتطبيق مآربهم وسفالتهم .
– ابرز ما حققته تلك النظرية ، تشجيع نمو التطرف برعاية دول وأجهزة مخابرات . وجعل ذات الدول التي تعاني من ضعف بنيوي تحت وصاية الدول الكبرى .
ان ما حصل في عدد من بلدان الربيع العربي من ثورات تم استغلالها وفق هذا المنظار . نتج عن ذلك انتشار الارهاب والارهابيين وادخال المنطقة في حرب مفتوحة لا طائل منها الا القتل والسيطرة على الثروات .
ربما الاقل ايلاما هو ما حصل في تونس ، ثم ليبيا ، حيث قتل السفير الامريكي ، وقتها تماما تحصنت الولايات المتحدة بما يمكننا تسميته تبرير الثأر المعنوي وغسل العار أمام مواطنيها ، ما يتيح بعد حين بداية اللعب في الساحة الليبية . نتج عن ذلك سلسلة محاولات تغيير فاضحة . بموازاة توسع الاسلام السياسي واذرعه الارهابية المتمثلة بداعش في عدد من الدول التي خرجت فيها ثورات سلمية ، حيث عملت ذات الدول الى شيطنة الثورات بعد ان فلتت جهادييها من سجونها ثم تحولوا بجهود اجهزة المخابرات المحلية و الدولية الى شركة ارهابية ، لكل دولة لها مندوب فيها ، كما لو انها جيش عابر للقارات .
من هنا ، ولهذه الأسباب كان تصريح ترامب الذي يدعم فيه انشاء مناطق آمنة ، لكن اذا عدما الى بداية حملته الانتخابية ، سوف نلاحظ انه كان ضد منافسيه ويرفض فكرة المناطق الآمنة ، نعلم ان السيدة كلينتون اشادت بفكرة توفير الحماية للمدنيين ، بالطبع انها تماهت مع مطلب سوري منذ زمن طويل .
اما اليوم بعد ان تسلم دزنالد ترامب مقاليد الرئاسة الامريكية نجده بموقع يكرر ما قالته قبلا كلينتون ، بالتالي ، فهو مجرد ببغاء يكرر ما يتناغم مع الوقائع التي حددتها السياسة الأمريكية ، والتي هي الآن ستكون وفق منظور يعزز نفوذ الشركات الإحتكارية ، وكذلك لشركات ترامب نفسه ساعيا عبرها ادارة الولايات المتحدة والعالم .
- نقاط إلتقاء أكراد الأسد :
وفق هذه المعطيات وقبل اي حديث ، يجب الاقرار بأننا امام متغيرات تأسست بعد سلسلة من جرائم للنظام واعوانه من كل البيئات المنتفعة بما فيهم (بعض الأكراد ) المؤمنين ببقاء الأسد وقاتلوا بسيفه كنوع من التقاطعات المصالحية الآن .
فمن الواضح دوليا سيؤخذ بهذا الاعتبار كشيء من واقع الحال خاصة بعد سقوط حلب ، وتبلور الطايع القومي المناطقي الديني والنفسي ايضا . فالنظام والداعمين عموما جعلوا البلاد كتل بشرية متنقلة ، بسبب الحرب القذرة بالطبع ، اضافة الى انه استورد فئات دينية و هيأ المناخ لتسلل ارهابيين و واسس لدخول أفول حزب اوجلان المنسحبين من جبال قنديل ، من ثم الدفع بهم الى مناطق تحتوي على تناغم بشري بهدف جعلها مفككة تارة ، وأخرى بهدف تمرير مشروع يؤسس لمطلب فدرالي يبدأ عبر ما يمكننا وصفهم بأكراد الأسد في الشمال ، بموازة تشكيل طائفي بمداه العميق في الساحل ، المنطقتان تمثلان الجزئ الأكبر للثروات الطبيعية في البلاد .
ربما نجح النظام بترسخ مبررات ما ذهب اليه وعزز ذلك الدفع الامريكي قبل الروسي منذ البدء ، لكن ذات التوزيع الجديد سيعاني من اللإستقرار . لانه ببساطة قائم على فكرة اقتلاع الناس واحتلال حياتهم وبيوتهم .
نعود الى او تقديمنا ، الاشكالية ليس يالنص الدستوري ، انما بطريقة اقتراحه و تزامنه ومعينه .. هل الوفد الذي ذهب الى استانة من صلاحياته الدستور ؟ . هل يحق لروسيا او لأي دولة الخوض بمستقبل ومتطلبات السوريين ؟ كما ان الدستور يكتبه السوريين ويتم عرضهه للتصويت عليه ضمن منصة ديمقراطية .
في الواقع ، حاول الروس احراج المعارضة عبر هذا الفخ .. ولم تنزلق المعارضة ، بالرغم من اهمية الرؤية المقترحة .
لان الموضوع الاساس هو الهدنة و فكك الحصار والسماح للاغاثة . و ليس من اختصاص الوفد العسكري مناقشة تقديم الدستور ، كذلك لان الوفد اصلا جاء نتيجة لمعطيات ملحة بالتالي مشاركتها مرحليا للتحدث عن مسألة تخص السوريين في لحظة حرجة .
الغالبية يريدون ايقاف الحرب ، نعم ، لكن ما يحدث فعليا ليس إلا الدفع بالسوريين الى اختيار أحد الجحيمين ، فكلاهما اسوأ وبقوة .النتيجة ” الجنيفية ” التي نتوقعها ، إن الدول الداعمة للحل النهائي في سوريا هي نفسها تقوم على التحكم بلعبة الحرب الهمجية والسلام المفخخ .
- المصدر : نشطاء الرأي
- www.opl-now.org