أنور البني : الثورة السورية.. أهم الثورات في التاريخ
تمر الآن الذكرى السادسة للثورة السورية العظيمة، ونرى العالم كله يقف على قدم واحدة خوفا من نتائج انتصار هذه الثورة العظيمة، كل العالم، وأعني الكل بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى خائف ويعمل كل ما في وسعه لوأد هذه الثورة وإخمادها واحتواء آثارها، أولا نظام الأسد العائلي الذي زعزعت أركانه وأصبح في مهب ريح التوازنات الدولية بعدما كان رقمًا فيها بسبب سيطرته على مقدرات سورية، وثانيا إسرائيل التي ارتعبت من تغيير التوازن الذي كان يحفظ أمنها الشمالي ويبقيها مدللة الغرب وأميركا بوصفها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وثالثًا بعض دول الخليج، وعلى رأسهم السعودية التي تعرف أن انتصار الثورة السورية سيكون بمنزلة “تسونامي” يُزعزع أركان الحكم المستقر منذ عشرات السنين.
كذلك مصر والجزائر، وإيران التي تعرف أن استقرار حكم حافظ وبعده بشار هو رأس الحربة الأول في مشروعها للامتداد إلى البحر الأبيض المتوسط وحصار منطقة الخليج بقوس شيعي يجعله تحت سيطرتها ويجعلها لاعبًا دوليًا كبيرًا تحلم أن يرث دور الاتحاد السوفياتي، ولن أتكلم عن لبنان والعراق؛ لأنهما ما زالتا لعبة بيد الأطراف الإقليمية المؤثرة، وهما ينتظران ما يأتي بالمستقبل ليُعاد رسم دولهما بناء على ذلك.
وتركيا التي كانت تحاول بناء قوتها الإقليمية، وإعادة دورها عبر الانخراط بالمشروع الأوروبي، رأت في الثورة السورية فرصة لتدخل المنطقة بشكل أكبر مما كان، يُمكّنها مع نظام بشار، وأرادت لهذه الثورة أن تكون تابعة لها، وتحقق أهدافها وليس أهداف الشعب السوري، فلعبت وتلاعبت بالمعارضة السياسية وبعدها بالمعارضة المسلحة، واستخدمت اللاجئين ورقة لتقوية مواقفها.
أما روسيا التي رأت كذلك في الثورة السورية وانتصارها، إشارة إلى تفكك الاتحاد الروسي، واضمحلالها كقوة ما زالت تُعد عظمى، وعودتها لمستوى الدول النامية، وربما أكثرها فسادًا، فكان قمع الثورة السورية هدفًا بحد ذاته، إضافة إلى أنه ورقة ثمينة في مفاوضاتها مع الغرب وأميركا حول وضعها بوصفها قوة عظمى، ووضع دول أوروبا الشرقية وأوكرانيا وجورجيا.
كذلك، أميركا أوباما، التي انسحبت من المنطقة، وركّزت جهدها في الشرق الأقصى، وقعت في مأزق بين حماية أمن إسرائيل وترك المنطقة تتعفن وتتآكل، مع الحفاظ على سلامة منابع النفط، فكان انتصار الثورة السورية سيغير ثوابت هذه السياسية، فحاولت كل ما باستطاعتها ومنذ اللحظة الأولى أن تهدم كل أمل بأن يحصل الشعب السوري على حريته ودولته الديمقراطية، وتحبط كل الجهد التي حاولت مساعدة الثورة على الانتصار.
كذلك وقفت أوروبا عاجزة، لا حول لها ولا قوة، إلا بالتصريحات والبيانات، فأميركا وقفت سدًا منيعًا تجاه أي محاولة جدّية لدفع الوضع نحو تحقيق ولو انتصار جزئي لها، وتركتها تدفع ثمن الموقف الأميركي المشين.
كل هؤلاء وعبر ست سنوات، بذلوا ما بوسعهم لإحباط هذه الثورة السورية والعظيمة، ولم ينجحوا بذلك، بل أنهم فشلوا فشلًا ذريعًا، فالشعب السوري ما زال يؤمن بحقه في حريته وبدولة ديمقراطية ويسعى لذلك، ولن يثنيه كل هذا الثمن الهائل الذي دفعه للعودة إلى الركوع والخنوع والذل.
غيّرت الثورة السورية كل المفهومات القديمة، وهذا هو عمل الثورات، فقد تغيرت مفهومات الشعب السوري كلها حول حياته ومعتقداته وإيمانه وثوابته التاريخية، كلها أصبحت موضع تساؤل ونقاش بما فيها ثوابت السلطة الأبدية والثوابت الدينية والعلاقات العربية والعلاقة مع الأقليات من أكراد وغيرهم، والموقف من إسرائيل ودور الدين والعلاقات الأسرية ودور المرأة، والثورة السورية قلبت مفهومات الحكام الديكتاتوريين في المنطقة حول الاستقرار والاستمرار بالحكم ومستقبل أنظمتهم وانقلبت مفهومات الاستقرار والأمن والأمان لدى كل الدول والمجتمعات الغربية، وانكشف غطاء الكذب المستمر عن الإيمان بمبادئ حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية وقبول الآخر لدى هذه الدول ولدى مجتمعاتها أيضًا، وظهر التناقض الواضح بين هذه الادعاءات والحقيقة والواقع، وخاصة بموقفهم من الجرائم الكبرى التي ترتكب في سورية، وموقفهم من اللاجئين، وابتدأ صراع كبير في داخل تلك المجتمعات وبين أحزابها السياسية حول هذه الحقائق لن ينتهي خلال الأمد المنظور، وربما يتطور إلى عودة انكفاء العالم لكانتونات ودول صغيرة منعزلة، والثورة السورية زلزلت كل منظومة القوانين والهيئات الدولية التي أمضت البشرية عقودًا في بنائها، واهتزت الثقة فيها وبفاعليتها بما فيها دور مجلس الأمن وصلاحيته وإمكانيته بحفظ السلم العالمي وبالأخص دور منظومة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، ومبررات وجود كل هذه الهيئات غير الفاعلة، وابتدأ البحث جدّيًا عن استبدال هذه الآليات، أو على الأقل إجراء تغييرات كبيرة فيها ليزيد فاعليتها وجدواها.
كل هذه التغيرات في العالم، التي نتجت عن الثورة السورية، وقد يأتي بعضهم ليتساءل: هل كانت ثورة؟
نعم… إنها من أجمل وأكبر الثورات في التاريخ حتمًا، وأكثر تأثيرًا حتمًا، ومازالت مستمرة ومتأججة طالما لم يصل الشعب السوري إلى هدفه في حريته ودولته الديمقراطية.
يدفع السوريون بدمائهم ثمنًا ليس لإزالة أبشع نظام دكتاتوري دموي فحسب، وإنما هم يدفعون لحفظ أرواح مئات الملايين من الشعوب في العالم، سيكونون ضحايا محتملين لمجرمين يتربصون بهم عند هزيمة الثورة السورية، والسوريون يدفعون بدمائهم ثمنًا لتغيير بنية إقليمية ودولية دولية، بُنيت على المصالح السياسية والاقتصادية للدول الأقوى، وليس على القيم ومصالح الشعوب في العالم، الثورة السورية تعيد للقيم الإنسانية ألقها وجوهرها، بعدما دفنتها مصالح الدول تحت غبار الكذب، إنه قدر السوريين وشعب سورية الذي كتب بحضارته تاريخ العالم منذ آلاف السنين، يعود بثورته ليبدأ بدماء أبنائه بكتابة مستقبل للعالم.
إن انتصار الشعب السوري هو المفتاح ليكون مستقبل العالم أفضل، واستمرار قمع الثورة السورية يُظهر مستقبلًا أسود لهذا العالم.
أنور البني : رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية
geroun