سارة العظمة تكتب عن القضية السورية
- الحل كما أراه رغم تعقيدات الوضع السوري هو إسقاط النظام. بعدها ينبغي الحصول على غطاء دولي للعملية الانتقالية، ومن المهم جدًا وجود قوى حفظ السلام لنزع السلاح. لا حل آخر. وكل من يساند النظام من داخل سوريا وخارجها يطيل من أوجاع ومعاناة الشعب السوري.
خطأ كبير يقع فيه كتيرون هو تصور القضية السورية كصراع بين نظام دولة وحركة جهادية إسلامية، أو كثورة سنية ضد سلطة شيعية. الملف السوري معقد والشرح صعب هنا. لكنّ المؤكد هو أن هذا تبسيط خاطئ لحد الجريمة الفكرية والأخلاقية. القضية السورية هي قضية ثورة عفوية من مواطن مهملة حقوقه، مُداس عليه من نظام لص فاسد قمعي عبر عشرات السنين.
الحراك الشعبي بدأ سلميًا تعدديًا، والهتافات كانت دون استثناء: “نريد إسقاط النظام. نريد الحرية”. لم تكن: “نريد الشريعة الإسلامية” على الرغم من أن كثيرًا من التظاهرات بدأت بعد صلاة الجمعة. المساجد بيوت عبادة للمسلمين، و75% من الشعب السوري سني، هذا يعني أن المواطن السني شكّل الأغلبية في التظاهرات ولا يعني أن الحراك السوري الشعبي كان سنيًا. المسلم يحتاج الدعاء لربه قبل الإقدام على عمل مصيري، هذا لا يعني أن كل من خرج من المساجد هو من مساندي المشروع الإسلامي السياسي.
أنا تابعت الأحداث منذ البداية من موقعي المهني كمعلِّقة بثاني أكبر صحيفة نرويجية، أفتن بوستن، وبسبب كوني السورية الوحيدة في النرويج الناشطة في الإعلام تمت استشارتي من العديد من القنوات الإعلامية النرويجية كلما حدث تطور بالأزمة السورية. طبعًا كانت هناك مسؤولية كبيرة على عاتقي، وبالتأكيد لم أستهن بها وقرأت العديد من المصادر عن تطور الأحداث والكثير من التحليلات في صحف محترمة عالمية وصحف عربية غير محترمة، ومعنى هذا أنا مُطّلعة ولست متعصبة لرأي معين اخترته على مزاجي.
التذكير واجب لأنه من الواضح أن الكثيرين قد نسوا أو لا يعلمون أحداث القصة ولا يتفوقون إلا بالشتم والتخوين والتطاول على الناس وادعاء أن النساء المعارضات للنظام يشتهين الاغتصاب من قبل عناصر داعش.
روحوا عبيوتكن اعملوا غيرهن، وإذا مو قدرانين ابعتولنا نسوانكن نحنا منحبلهن.
هذا كان رد عناصر النظام الفاسد على طلب وفد من أهالي درعا التحقيق بالجريمة ومعاقبة الفاعلين. ومن هنا كانت الشرارة. هذا الكلام أنا سجلته على مسجّل عند زيارتي لمخيم الزعتري وسماعي لنفس القصة من عدة أشخاص من درعا. قمت بتحقيقات صحفية خلال 3 زيارات للبنان والأردن، واستنتاجي هو تطابق الوصف والقصص وفظاعة وإجرام النظام وشبيحته وجيشه. سمعت قصصًا لا أقوى على سردها.
باختصار وعند النظر للصورة العامة (مع اعتذاري عن عدم الدخول بقصص فردية كل منها كافية للحكم على هذا النظام، ومجتمعة من المفروض أن تهز الأرض لو كان هناك شيء اسمه إنصاف في هذه الدنيا الوسخة)
– الجيش تم تفليته على المتظاهرين وتم إطلاق الرصاص عليهم من قبل قناصين، وجرجرت عناصر “الأمن” المصابين من المشافي إلى غرف التعذيب والموت أحيانًا من على طاولة العمليات والصدر مفتوح. ثم تم إرسال الجيش للمناطق المنتفضة وإعطاء أمر القصف. وكل من يريد فهم الحقائق وليس فقط مهللًا ببغائيًا، يعلم أن الجيش الحر تشكل عن طريق رفض بعض الضباط والمجندين اتباع الأوامر وقتل المدنيين من أبناء وبنات بلدهم وانشقاقهم الطوعي وتشكيل مجموعات للدفاع عن الأهالي محليًا، لا على مستوى البلد بأكملها.
الجيش الحر صنعه بطش الأسد ولم تصنعه أية جهة خارجية. أما داعش فصنعها تكتيك مخابرات النظام. هذه النقطة الأخيرة عن داعش أنا لست متأكدة منها ولا يمكنني إثباتها ولكنني أميل لتصديقها.
عندما ترد على نداءات شعب كامل يطلب بعض الخبز وبعض الحرية فقط بتفليت جيش كامل مجهز وشبيحة هائجة لا تعرف أية حدود لتقتل وتغتصب وتحرق قرى بأكملها وتمحيها عن الخريطة وقصف مستمر مع الحصار لمدن كاملة بمن فيها من أطفال ونساء وشيوخ، فأنت تعزم الشيطان لحفل شر وتعريص له أول وليس له آخر.
الثورة بدأت سلمية وظلت سلمية تحت رصاص القناصين والإرهاب الأسدي على مدى شهور، لا بل سنتين مع صمت دولي وخذلان الأمم المتحدة للشعب السوري. لم يحمل المعارض السلاح إلا بعد استنفاذ كل الخيارات الأخرى.
نداءات “الله أكبر” لا تعني مطلقًا أن المعارضة إسلامية. هذا شعب مسلم وهذه العبارة هي من ضمن تراثه اللغوي. هنا في السويد الأكثر إلحادًا في العالم ما زال الناس يقولون عبارات ” يا مسيح! ” هذا لا يعني أنهم صليبيون ولا حتى إنهم مسيحيون.
ولاء الثوار غير الإسلاميين، وهم الأغلبية، هو لسوريا فقط، ولكن كل ثورة تحتاج لدعم خارجي وخاصة ثورة يتم قمعها عبر جرائم حرب غير مسبوقة وتدخل روسي إيراني وقصف من الجو والأرض. كيف سيحصل الثائر على بارودة في بلد لا تصنع السلاح إذا لم “يستورد” من دول أجنبية؟ ما هو الخيار الآخر البديل؟ الاستلقاء على الأرض وانتظار هجوم الغاز الذي سيقتل أطفاله! من يتهمون المعارضة والثورة برمتها بالعمالة لم يتابعوا تسلسل الأحداث ولا يفهمون شيئًا يذكر لا عن السياسة ولا عن تاريخ الثورات.
من يساند نظام بشار الفاشي لا يستحق إلا بصقة احتقار في منتصف وجهه، وفي هذا حتى احترام له لا يستحقه. المفروض ألا يوسخ الواحد بصقته على وجوه الفاشيين اللاإنسانيين المشاركين رمزيًا بقتل وتشريد شعب وتخريب بلد كامل.
الحل كما أراه رغم تعقيدات الوضع السوري هو إسقاط النظام. بعدها ينبغي الحصول على غطاء دولي للعملية الانتقالية، ومن المهم جدًا وجود قوى حفظ السلام لنزع السلاح. لا حل آخر. وكل من يساند النظام من داخل سوريا وخارجها يطيل من أوجاع ومعاناة الشعب السوري.
سارة العظمة : كاتبة من دمشق عاشت تحت حكم النظام حتى سن 22 ومختصة بدراسات الشرق الأوسط / جامعة أوسلو