فدوى سليمان : الطريق إلى دمشق
كان الطريقُ إلى دمشق خشبةَ مسرح عائمةً على الماء
غناءً لقيثارة
شفقَ السماء عند التقاء البحرِ وردياً
سجَّادةً من عشب
صلاةً
زوّادةً من نرجسٍ وأقحوانٍ وعنفوانٍ و أرجوانٍ
جنانَ قمحٍ
وغابات عنب
شجر
امتدادَ الزَّيت في الزيتونِ استراحة البحر
كان الطريقُ إلى دمشق
جديلةً من كستناء
وثوبَ إحرامٍ بعمر الربيع وعُمر الخريف
شلَّالَ ضوءٍ يُريد الوضوء بأضوائِها
وحجّاً كريماً
وسعياً بين أبوابها السّبعة فوق سَبعة.
طوافاً.
كان الطَّريقُ أحرفاً من نُور؛ لُغةً من بنفسج؛ غاراً وطيّوناً.
لكنّي ما دخلتُ:
روحي معلّقةٌ هناكَ
على خدود الياسمين في شُرفاتِها
في باحة الأمويّ، تسبّح بين مئذنتيه
وتشرب النُّور من عين الثّالثة
روحي تطيرُ إلى رُقَيَّةَ
فيستيقظ الأطفال على قرع أجراسٍ من النّرجس
وتهطل السّماء فوقهم نهراً من أغنيات
ويعلن الجوريّ أنّ ما جرى لم يكن إلّا محضُ كابوس.
روحي تلوّن البخارَ بالأزرق
في حمّام نور الدين الشهيد
تحّط فوق قلعتها
تنهل التاريخ
تصبّح على صلاح الدين، تمتلئ فجراً وحريّةً
لا من قبضة سيفه ولا من حافر خيله
بل من صمته المدوّي في التّمثال
لتعبرُ الحميديّةَ ، ترتدي الثيّاب المطرَّزة
تجلب العطر من سوق مدحت باشا
تهيمُ في زقاق جعفر، في باب توما
تلثمُ أجراس حنانيا
فتزهر في البابونج النّابت بين أقدم الحجارة
تحلّق فوق قبر مُحي الدّين بن عربي
تسكن خيطاً في عباءته
تنقشها خيوطاً من النّور فوق قاسيون.
لكنّي ما دخلتُ:
كي لا أُوقظ النَّدى وكي لا يجفلَ الياسمين
وكي يبقى الحمامُ سقفَ سمائها
ما دخلتُ وما خرجتُ
سمعتُ نداءها
فارتديتُهُ ثوبَ إحرامٍ جديدٍ فوق عريي
وسبّحتُ باسمها للعالَمين!