أحمد سليمان: اَلْعِشْقُ المشرور / قرأْتُ في رِوايةٍ سأَكتبُها
انتظرتكِ خمسين ثانيةً وستَ ساعاتٍ، ثمّ أربعَ دقائقَ، وأنتِ غائبةٌ عن اجتماع أعددْته للسّكارى و شيوعيي خمّارةِ الصحبِ الأشرار.
كنّا مثلَكم، كمثلِ حُفاةِ العقلِ أحياناً، في “الرّوضة” ثمّ “لاتيرنا”.
لكنني للتوي نسيتُ قدمي اليسرى عالقةً بمدخلِ الباصِ فكاد السّائقُ يفرمُني، لولا حدّثته عن “بارفان” نهرِ “بردى” والملاهي اللّيليّةِ المُوزّعةِ بعددِ الفروعِ الأمنيّة.
وبعد ابتلاعِ صُندوقين من الماءِ المغشوشِ طابَ لنا أن نجرّبَ “فودكا” مصنوعةً بمعاييرَ دينيّةٍ مطابقةٍ لوصفاتِ السّرياليّين عن الشّعر المخلوطِ بمزاجي.
راقني لحظةَ اخترعَها رفيقٌ يصلّي مع العصافيرِ قدّامَ دورِ العبادةِ مُستذكراً أنهارَ عسلٍ فائضٍ وخمرٍ يجري من الجناح ِالنّسويّ في الجنّة.
لا قلقِ بالمطلق يا حلوةِ المسطولين، فقد أوشكتُ على امتهان السّحرِ المغسولِ بالحبّ الهبلاني، وأمسكتُ لتوّي قنّاصةً، ثمّ قذيفةً لم تنفجرْ وطلبت من امرأةٍ أرسلتْها ” دولةُ ناتاشا ” أنّ تفقعَني قبلةً “بورنوغرافيّة ” ، كنوعٍ من المؤازرةِ ريثما تأتينَ إلى أهبل ينتظرُكِ بقربِ شارعِ الياسمينِ المُعربشِ كيفما أتّفق.
يا للهولِ، البارحةَ سقطتْ قذيفةٌ على مطبخِ بيِتِكِ، ورحتُ أكتبُ بيانَ النّعيِ، بعد أنْ وصلتْني رسائلُ من صديقاتِكِ اللّواتي أغرقْنا بريدي بدموعٍ غسّلتْني.
أيضاً وصلتْني قصائدُ تتحدّثُ عن دورِكِ البطوليِّ، بتحضيرِ وجباتِ “اليبرق” بسرعةٍ خلّاقةٍ ، لأكثرَ من سبعينَ أحمقَ يكتبونَ على الجدرانِ رثاءً عن حسناءَ لم يجتمعوا بها إلا بقصائدي .
لكنّني صرعتُهم بوصفِكِ فكان عليهم أن يحتسبوكِ حبيبة هذا الّذي يجعلُكِ تكرهينَ اللّحظةَ الّتي رأيتِ فيها شكلَه.
مع ذلك سأُعدُّ تقريراً عاطفياً أُمزّقُ فيه ثيابَكِ ِ ِ، ثمّ أقطعُ دفترَكِ الّذي دخل خلسةً إلى جيبي، لأطلبَ من أصابعي أنّ تدوّنَ بالإنابة عنك قصّةَ فتيةٍ يلاحقونكِ كلّما درتُ ظهري لألوذَ بالباصِ التّنبل.
وأنتِ كعادتِكِ تكتبين ألفين ومليون صفحةِ فضائح ضدّي.
مع كلّ هذا، كان الأصحابُ صادقين بنقلِ مناسكِ الندبِ الّتي أجريتُها عنكِ، حين اكتشفوا بأنّ منزلكِ لا يوجدُ فيه مطبخٌ . كما أن المنزلَ بالأصل مهجورٌ، استعاره قطعانُ اللّيلِ ، أصحاب اللّحى الّتي يجتمع عليها بقايا الطّعامِ والذّباب و”الجهاد” الفنتازيّ الأسود.
فأين أنتِ الآن من هوسِ أخلدُ فيه ذكراي؟!
أنا في عدمٍ يمتازُ بغبارٍ، وصوّرِ ضحايا قتلَهم أحمقُ يُسمّي نفسَه قائداً لأكبرِ مخفرٍ بالمهاجرين، أعني الحيَّ الّذي يتوسّطُه تمثالُ “جحا”.
هذا الجحا ما زال واقفاً منذ حركةِ إصلاح ِالأحذيةِ الحزبيّة.
أعنيه بالطّبعِ ، الواقفَ بآخرِ محلّاتِ الموضةِ الميّتة بصالحية “شام” قيل بأنّه ارتعبَ من فأرٍ تحوّل إلى جرذٍ منفوشٍ يعتاشُ بالمجارير.
بأحايينَ كثيرةٍ كتبتُكِ في المدنِ الذّبيحةِ ، ثمّ رحتُ أشتمُ نفسي بالإنابةِ عنك، حين صفعتْني صورتُكِ الخلعاءُ الّتي أقدّسُها، كلّما شربتُ من هذا الّذي يفتل رأسَكِ برأسي.
أعني حين ألوذُ بريحٍ تصلُني من جسمِكِ المقبوضِ ، أبدو مثل رقيمٍ منقوش ٍعلى شواهدَ تناثرتْ ، مع انّ نفسَكِ عالقٌ بسمائي.
هدّني هذا المشهدُ، مثل بوحٍ مصفوعٍ، فحييتُ قربَ من قتلَني، مع أنّني لم أمّتْ كعاشقٍ مُتيمٍ ، كما أنّني لم أشمّ نثاراً كيميائيّاً يشبهُ من اختنقوا بين كفي دمشقَ و حلبَ.
لذا سأغيبُ عشرين ثانيةً وأربعةَ أيّامٍ.
أيضاً تركتُ لك معوّلاً و حقلًا مملوءاً بالأحجار.
بالطّبع هذا ليس عقاباً، وإنّما كي لا يأكلَكِ الوقتُ.
فإذا شعرتِ بالملل تجدينني بخمّارة “فيردي” أو مخفوراً بقسم للشّرطة.
إشارات النص:
- الروضة، لاتيرنا، ، هي مقاه يجتمع فيها الكتاب والسياسيون والمجانين. بالطبع ينتشر بهذه الأروقة المخبرون.
- بردى، نهر تاريخي عظيم تحول بسبب الإهمال إلى مستنقع متجول لمياه المجارير برعاية الدولة
- المهاجرين، منطقة يوجد فيها قصر لرئيس البلاد، هنا القصر مجرد مخفر للشرطة
- دولة نتاشا: المقصود بها روسيا الحالية التي يقودها المجرم فلاديمير بوطين فيما يقصف السوريين إلى جانب السفاح بشار اسد.
- جحا، هو نفسه نصر الدین جحا، شخصية فكاهية انتشرت في كثير من الثقافات القديمة ونسبت إلى شخصيات عديدة عاشت في عصور ومجتمعات مختلفة. يرد في هذا النص كشخصية همها خداع الناس، لكن هذه الشخصية دائمة الفشل، ذات الدور الذي يؤديه رئيس قتل السوريين ودمر البلاد
- اليبرق، ورق عنب يتم حشوه بالرز واللحم، يرد ذلك كنوع من الفكاهة.
- الصالحية، شارع تجاري وسط دمشق
- نثار كيميائي: في 21 أغسطس 2013 قصف النظام السوري غوطتي دمشق بغاز السارين، نتج عن ذلك مقتل 1500 مدني، وقبل ذلك تعرضت منطقة ” خان العسل ” في ريف حلب لهجوم كيميائي، مما أدى لاختناق العشرات من المدنيين. بعد هاتين المجزرتين استخدم ذات النظام النابالم ضد المعارضة.
- فيردي: اسم حانة صغيرة بالقرب من شارع العابد في دمشق، يرتادها خليط من أصحاب الدخل المالي المعدوم. كل يشرب كأسه ويمضي حين يثمل.
- النص مستل من كتاب لي صدر حديثا عن مركز الآن