زملاء

علي العائد: تجليات الثور الأبيض في عفرين

تحولت سوريا إلى مجرد بلد أقليات عرقية، أو دينية، تستثير قلق طرف دولي ما على مصيرها في أحيان متقاربة، سواء أكان الاعتداء من طرف داخلي أم خارجي، دون أن تحظى الأكثريات، إن وُجدت، بأي قلق من أي طرف من ذلك المجتمع القلق. 

فالعلويون أقلية، والأكراد أقلية، والمسيحيون أقلية، والإيزيديون أقلية، ما عدا العرب السنة الموصوفين بأنهم أكثرية لا خوف عليها، دون ربط وجود أي من هؤلاء بسوريتهم، أو مواطنتهم، إلا في ما ندر، وبرغبوية غالباً ما تفتقد إلى السند الواقعي في محيط من الاستقواء بالسلاح، والاستزلام للغريب والقريب.
والغريب هذه المرة تركي، بعد الإيراني، والروسي، والأمريكي، والعربي، وداعش، والنصرة.
الجيش التركي اختار “غصن الزيتون” اسماً لعمليته العسكرية لإخراج مقاتلي “وحدات حماية الشعب” الأكراد من عفرين.
والمبرر التركي المعلن سلفاً هو ضرورات الأمن القومي التركي، على اعتبار أن “الوحدات” هي الجناح العسكري لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي”، وهو المقابل السوري لـ”حزب العمال الكردستاني” دون تكهنات، والحزبان مصنفان إرهابيان في تركيا، باعتداد بتصنيف الثاني إرهابياً من دول كبرى، أو من دون اعتداد.

ولأن المبرر الكردي للاستئثار بعفرين يستفز، سياسياً، الإرادة التركية، فقد التقى مع مبرر حلفاء تركيا السوريين للمشاركة في العملية، بالعودة إلى تجاوزات سابقة للسلاح الكردي في مناطق عديدة، لكن مع انفراط عقد التأييد للفصائل المشاركة مع الجيش التركي في العملية.

عموم الأكراد يرفضون الخطوة التركية المدعومة من الجيش الحر، أو العكس، بين قلق على مصير مئات آلاف المدنيين، وبين قلق على ازدياد تحكم “قوات حماية الشعب”، الأوجلانية حسب وصفهم، والمغامرة بمصير الكرد السوريين في إطار طموحات “حزب العمال الكردستاني”، وبين مؤيد متعصب لحزب “بي. كي. كي” مهما كانت الخسائر والتضحيات.

وفي الواقع الافتراضي، يرى جزء معتبر من الكرد السوريين أن كل مدينة يظنونها كردية هي “أرومة الكرد” في العالم.

هكذا كانت “كوباني” – عين العرب، قبل أكثر من سنتين في مواجهة داعش، وكذلك ستكون عفرين في مواجهة الأتراك هذه المرة. مثلما هو الأمر في كركوك العراقية، وكوسوفو اليوغسلافية “أرومة الصرب”، وغيرها.

سلسلة النكايات السياسية العرقية السورية بدأت عام 2011، مع تكشف العلاقة المؤكدة بين “حزب الاتحاد الديموقراطي” وبين النظام الأسدي، واغتيال القيادي الكردي مشعل تمو عام 2011، ثم مع دخول فصائل من المعارضة السورية إلى رأس العين عام 2012، وارتكاب تجاوزات في حق المكون الكردي في المدينة. تلا ذلك تجاوزات من فصائل المعارضة في حق الأكراد في تل أبيض عام 2013.

رد الأكراد جاء تالياً على يد “وحدات حماية الشعب” الكردية في ريف حلب: تل رفعت، ومنغ، ومنبج، وتل أبيض، بعد رأس العين نفسها، بتهجير عشرات الآلاف من السكان المدنيين.

ومع الاستقواء الكردي بدعم طيران التحالف لتقدم “قوات سوريا الديمقراطية” التي تشكلت في نهايات عام 2015، سيطرت قسد على مساحات واسعة من مناطق ذات أغلبية عربية، في الحسكة، ومنبج، والرقة، ومناطق واسعة من ريف ديرالزور الشمالي والشمالي الشرقي.

وبالعودة إلى عام 2016، قصفت فصائل معارضة حي الشيخ مقصود في حلب، وتسببت بمقتل مدنيين، نكاية بالتهادن المعلن بين المقاتلين الأكراد وقوات النظام والميليشيات الداعمة له، التي نتج عنها خسارة الفصائل المعارضة مدينة حلب في نهاية ذلك العام.

كما كررت قسد مشهد سوق مكونات من السكان العرب في منبج والرقة لتمجيد زعامة عبدالله أوجلان الكردي التركي.

وفي سياق ذلك، شاعت مفردات خطاب عنصري من الطرفين، فالأكراد بويجية انفصاليون عملاء لإسرائيل، والعرب لصوص دجاج “بواقين الدجاج”، بعثيون وصداميون ودواعش.

كل ذلك كان مجرد حوادث محدودة، المخيف فيها هو القتل المتبادل وما يولده من ثأر بين طرفين يحكمهم الجهل في مناطق متداخلة لا يمكن الفصل بينها، أو لا يمكن دمج مكوناتها وفق الوصفة العربية، أو الكردية، ما دام كلا الطرفين ينظر إلى الآخر كونه ينتمي إلى أقلية.

والجهل هنا هو أقل توصيف ممكن للواقع، حيث تتبادل فصائل المعارضة وقسد الآن القصف على عفرين ومحيطها، وعلى اعزاز ومحيطها، ناهيك عن سقوط قذائف قسد على مناطق في تركيا تصادف أن ضحاياها كانوا من اللاجئين السوريين هناك.

وأمام ذلك، ينشط الصيد في الماء العكر، حيث يسوِّق اللوبي الكردي القوي في أوروبا لمظلومية أخرى، حتى لو لم يكن في ذلك الماء العكر داعش. أما الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، فيعد لمناقشة الهجوم التركي على عفرين في مجلس الأمن الدولي، على إيقاع طلب رجل دين مسيحي في عفرين بحماية 250 عائلة من رعية الكنيسة الإنجيلية في عفرين.

وبينما يستمر جدل ابتداع التسميات في وصف الآخر، من كون الأكراد شعب، والقوات الكردية ليست ميليشيا، بل “وحدات حماية الشعب”، أخذت الفصائل المعارضة المشاركة في “غصن الزيتون” اسم “مرتزقة”، على لسان معلقين أكراد.

نتذكر هنا بدايات مشروع مؤتمر سوتشي، حين أطلق عليه فلاديمير بوتين اسم “مؤتمر الشعوب السورية”. لعله كان محقاً في ذلك، بأثر حالي، ومستقبلي، على الرغم من رغبويتنا بالقول إن كل ما حدث ويحدث خلافات مؤسفة بين سوريين تسلل إلى تفاصيل خلافاتهم أعداء سوريا، دون أن يدرك أي منهم أنه “أُكلَ يوم أُكلَ الثور الأبيض”.

علي العائد: كاتب سوري
المصدر : www.24.ae

 

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق