تسوية الوضع .. كابوس جديد يؤرق سكان محيط دمشق
سلافة جبور “التسويات الأمنية هي عنوان الكابوس الجديد الذي نرزح اليوم تحت وطأته ولا ندري متى سينتهي، وهل سيكون فعلا آخر كوابيسنا المستمرة دون انقطاع منذ سبع سنوات”.
كلمات اختصر بها عابد محمد من مدينة عربين في غوطة دمشق الشرقية معاناة الآلاف من الشبان الذين فضلوا البقاء في بلداتهم إثر انتهاء المعارك فيها واستعادة النظام السوري السيطرة عليها، لكنهم وجدوا أنفسهم أسرى لإجراءات جديدة باتت تحاصرهم كفكي كماشة.
ويقول محمد (25 عاما) أنه كغيره من شباب الغوطة ينتظر انتهاء عملية التسوية الأمنية والتي ستحدد مصيرهم، فإما الاعتقال في أحد أفرع المخابرات لفترة غير معلومة في حال ثبوت أي تهمة لها علاقة بما تعتبره الحكومة السورية مساسا بأمنها، وإما السوق إلى أداء الخدمة العسكرية لأولئك المتخلفين عنها، وإما “الإفراج وبداية حياة جديدة”.
التسوية
ظهر مصطلح “التسوية” أو “تسوية الوضع” خلال سنوات الحرب في سوريا للدلالة على إجراء يتم من خلاله التدقيق في كافة الأعمال “الإرهابية” التي مارسها شخص ما ضد النظام السوري ثم منحه إعفاء عنها ليعود إلى حياته الطبيعية.
هذه الأعمال في عرف السلطات السورية تشمل كافة الأنشطة السلمية كالتظاهر والإغاثة وصولا إلى حمل السلاح مع فصائل المعارضة المختلفة، وهي أنشطة انخرط فيها الآلاف من السوريين من مختلف المدن والمحافظات على مدار السنوات الفائتة.
وازدادت وتيرة التسويات بشكل كبير في السنوات الأخيرة مع بداية عقد الهدن بين النظام السوري والمناطق الخارجة عن سيطرته، حيث تمكن الآلاف من تسوية وضعهم والحصول على ورقة تضمن لهم حرية الانتقال ضمن مناطق سيطرة النظام وعدم ملاحقتهم أمنيا، الأمر الذي لم يكن مضمونا بأي حال على الدوام.
وامتد نطاق التسوية ليشمل حتى المقيمين خارج سوريا، حيث تنشر وزارة الخارجية والمغتربين السورية على موقعها عبر الإنترنت وفي صفحة مخصصة بعنوان “تسوية وضع” بأنه “حرصا على معالجة أوضاع السوريين الذين غادروا القطر بطريقة غير مشروعة بسبب الظروف الراهنة، ورغبة من القيادة بتشجيع المواطنين ولا سيما المكلفين بالعودة إلى الوطن وتسوية أوضاعهم التجنيدية والأمنية بغض النظر عن الظروف التي اضطرتهم للمغادرة فإنه يمكن للمواطنين أعلاه مراجعة السفارة السورية في بلد الإقامة أو أقرب سفارة سورية، وذلك لتقديم طلبات تسوية أوضاعهم لديها أصولا”.
ومع استعادة النظام السيطرة على كافة مناطق محيط دمشق بشكل تدريجي خلال العامين الأخيرين تحولت التسوية إلى محطة جديدة بالغة الأهمية في حياة أهالي تلك المناطق ستحدد مصيرهم لأشهر وربما سنوات مقبلة.
محيط دمشق
آخر المناطق التي تمكن النظام السوري من بسط السيطرة عليها بعد تهجير الآلاف من أهلها وتدميرها كانت غوطة دمشق الشرقية ثم جنوب العاصمة، ورغم ذلك رأى مئات الآلاف أن البقاء في منازلهم المدمرة أفضل من الرحيل نحو المجهول في الشمال السوري.
ويمنع أهالي تلك المناطق من مغادرتها بشكل مطلق إلى حين انتهاء عمليات التسوية الأمنية والتي تتم على عدة مراحل، وفق فايز منصور -وهو من أهالي بلدة ببيلا- خلال حديث للجزيرة نت.
وتتضمن تلك المراحل إعداد قوائم دقيقة وإجراء تحقيق مفصل مع كل من تبقوا في المنطقة لمعرفة كافة المعلومات المتعلقة بهم وبعائلاتهم والأنشطة التي يحتمل أنهم انخرطوا فيها خلال السنوات الأخيرة.
بعد ذلك ترفع تلك القوائم إلى الأفرع الأمنية ذات الصلة، والتي تختلف باختلاف المدينة أو البلدة، وهذه الأفرع تمتلك بدورها قوائم المطلوبين أمنيا وتتمكن بذلك من مطابقة كافة القوائم مع بعضها البعض وتحديد من سيتم اعتقالهم، وبشكل مشابه تحدد الأسماء المطلوبة للخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية ليتم سوق أصحابها في فترة لاحقة.
“ما زلنا بانتظار معرفة مصيرنا” يقول منصور، مضيفا أن “البعض يجهز نفسه للانضمام إلى صفوف الجيش السوري فهو مصير لا مفر منه، وهناك آخرون خائفون من الاعتقال، ومنهم من يفكرون في التطوع ضمن إحدى المليشيات المقاتلة إلى جانب النظام، ومع ذلك يأمل كثيرون بالنجاة ومتابعة دراستهم وأعمالهم، بمعنى آخر حياتهم الطبيعية”.
المصدر : الجزيرة