21 نوفمبر, 2025

إرهابي، ثم عميل للموساد… أما التفاصيل، فلا توجد قضية سوى أنه معارض

وصلتني مشاركة من زملاء لمشاهدة فيديو يتحدث فيه المناضل السياسي رامز نجيب السيد، وفي ساعة متأخرة أجريتُ بحثًا موسّعًا للتعرّف على جزئيات أوضح.

ثم عدتُ إلى الفيديو، وراجعتُ القضية منذ نشأتها، فتبيّن لي عمق المأزق الذي وقع فيه أغلب السوريين: الملاحقة أو القتل أو السجن والموت تحت التعذيب.

بين هذا وذاك، نلاحظ أنّ تضامن النشطاء فيما بينهم بات هو الآخر يخضع لفلترة، تحت بند التوجّه السياسي أحيانًا، أو الدين أو الطائفة، وحتى الانتماء لأيّ من العصبيّات التي باتت حاجزًا مؤسفًا في أحيان كثيرة. واقعٌ يُشتّت الجميع في وقتٍ نحتاج فيه أن يكون السوريون يدًا واحدة.

قبل أيّام قليلة، لم أكن أعرف الكثير عن الأستاذ رامز، سوى بضع أخبار تداولها زملاء له، تتلخّص بتلفيق تهمة بحقه لا يصدّقها حتى الأطفال. أمّا في مكالمة هاتفية مع رامز السيد، فحين وجّهنا إليه سؤالًا عن تدرّجه السياسي في سوريا، أشار إلى أنّه كان مقرّبًا من حزب الشعب الديمقراطي، وقد اعتُقل لمدة عامٍ ونصف لدى الاستخبارات السورية، وذلك لحيازته منشوراتٍ يسارية تخصّ الحزب ذاته.

تمّ اعتقاله أولًا على خلفية “داعمٍ للإرهاب”، حاله كحال الكثير من السوريين الذين يعارضون نظام الأسد، وخرجوا كداعمين من خلف شاشات الكمبيوتر للثورة، حيث لا سلاح لديهم سوى التنديد بالمجازر التي تُرتكب بحقّ أبناء البلاد. وهكذا، كغيره، تمّ اعتقاله، ليس في سوريا فقط، إنما هذه المرة في لبنان، حيث يعيش ويعمل. داهموا غرفته وأخذوا أجهزته من المحل الذي يديره كمقهى إنترنت، ثم اصطحبوه على مرأى الناس بصورةٍ مشينة.

عندما فشلوا في إثبات التهمة الموجّهة إليه (الإرهاب)، راحوا يُهندسون تهمة جديدة: (عميل للموساد)، تتناسب مع حدثٍ لبناني يتكرّر عادةً بلا أيّ سند، سوى عملية تعذيب ممنهجة تجعل المتهم يوقّع اعترافًا بحقّ نفسه أمام كاميرا فيديو ومراقبين ومنفّذين لميليشيا حزب الله، الذي حوّل لبنان إلى ثكناتٍ عسكرية تُدير الدولة بالإرهاب. أمّا التهمة التي تمّ تلفيقها للسيد رامز في هذه المرّة فهي “التخابر مع إسرائيل”.
مع العلم أنّ إسرائيل تسرح وتمرح داخل تشكيلات حزب الله، وفوق الأرض اللبنانية والسورية، وتقصف كما تشاء مواقع عسكرية تابعة لميليشيات الأسد وجيشه، الذي يُدار عبر ميليشيا حزب الله.

إرهابي وعميل، ثم براءة:

وفقًا لتصريحاتٍ متلاحقة أطلقها رامز السيد، وهي بمجملها تتماشى مع مطالب السوريين ونشطاء الثورة، كما عبّر رامز من خلال حزب اليسار الديمقراطي، وهو تشكيل حديث تأسّس مع انطلاقة الثورة السورية، ويُعتبر رامز أحد كوادره على ما يبدو.

وبعد مرور شهرٍ واحدٍ على إطلاق سراحه، عقب انقضاء محكوميته الظالمة في سجن رومية، دعا رامز لعقد مؤتمرٍ صحفي يوضّح فيه ملابسات الجريمة التي ارتُكبت بحقه وظروف اعتقاله وسجنه، لكن فجأة اختفى أثر رامز، ليتّضح لاحقًا أنّه محتجز لدى الأمن العام اللبناني على خلفية ذات التهمة الملفّقة التي قضى بسببها سنواتٍ في سجنٍ لبنانيٍّ عنيف. وبعد شهرين ونصف، أُطلق سراحه وأُعلنت براءته من التهمة المفبركة.

من الواضح أنّ الاعتقال الثاني له في لبنان كان بمثابة تهديدٍ مباشرٍ له، أو رسالةٍ مضمونها أنّهم يستطيعون إعادته إلى السجن في أيّ وقت، والتهمة جاهزة.

إنّ النشطاء في المنظمات الحقوقية يعرفون أنّ السيد رامز اعتُقل ظلمًا، وأنّ الأقوال التي اعتمدتها المحكمة العسكرية في لبنان، والتي بموجبها قضى أربع سنواتٍ في سجنٍ لبناني، قد انتُزعت تحت التعذيب. مع العلم أنّ المتهمين معه على خلفية التهمة الملفقة، ومن بينهم السيد هاني مطر (موظف الطوارئ والمتهم أصلًا بأنّه وسيط بين السيد رامز وإسرائيل)، تمت تبرئته من تهمة الإرهاب والتخابر مع إسرائيل!

السؤال المهم: إذا كان الوسيط الافتراضي لم يعد مطلوبًا، وقد بُرّئ مع وقف الملاحقة والتتبّع، وأيضًا تمت تبرئة السيدة سلام إبراهيم شكر من التهمة المنسوبة إليها، فهذا يعني أننا أمام قضية ملفّقة، لأنّ طرفين منها خرجا دون إدانة وسقطت عنهما الملاحقة، ولم يُحالا إلى المحاكمة. في هذه الحال، لماذا تمّ التحفّظ على الطرف الثالث، أي السيد رامز السيد، وتقديمه للمحكمة، ثم سير القضية ومفاعيلها التي أدّت إلى سجنه لأربع سنوات؟ الإجابة هنا بسيطة وواضحة: كونه معارضًا ويرفض تدخّل حزب الله في الحرب إلى جانب النظام ضد الشعب السوري.

من المعروف أنّ النشطاء السوريين المعارضين لنظام الأسد والمقيمين في لبنان، معرّضون بشكلٍ دائم للمضايقات الأمنية والخطف واحتجازهم في سجون ميليشيا حزب الله أو تسليمهم لمخابرات الأسد.

الثابت لدينا:

الأقوال التي تم تثبيتها في نص التحقيق انتُزعت تحت التعذيب.
حكمت عليه محكمة لبنانية بخمس سنوات، قضاها كأيّ متهمٍ حقيقي، مع العلم أنّ التهمة كلّها ملفقة والأقوال منتزعة، على طريقة غرف التعذيب الإرهابية لدى نظام الأسد.
تعرّض السيد رامز لكسورٍ من الدرجة الأولى في عددٍ من الأماكن في جسده قد تلازمه طوال حياته (أبرز لنا وثائق تُبيّن الإعاقة الجسدية).
وفقًا لتصريحاته، أشار أيضًا إلى أنّه لم يلحظ اهتمامًا كافيًا بقضيته من المحامية الموكلة عنه من قبل الأمم المتحدة.

الإجراء المطلوب:

إنّ قضيةً من هذا النوع، لما فيها من اعتداءٍ واعتقالٍ بهدف إنهاء حياة إنسانٍ بتهمةٍ ملفقة، تحتاج إلى تحرّكٍ فعليٍّ أبعد من التضامن.

تحرّكٍ يُفضي إلى تجريم الأجهزة والأفراد الذين لفّقوا إليه تهمة الإرهاب والتعامل مع إسرائيل، التهمة التي أدّت إلى حكمٍ قضائيٍّ مباشرٍ وظالمٍ بجلسةٍ استغرقت خمس دقائق، بلا محامٍ محايد، ولا أدنى حقٍّ للدفاع، ولا حتى مكاشفته إن كان يُقرّ بنص الاعترافات أو لديه اعتراضٌ عليها.

المصدر : نشطاء الرأي

opl-now.org

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب