قبل أي شيء، لا بدّ من الإشارة إلى أنّني أتفق مع فرض قانون ضريبي على صُنّاع المحتوى، وأعتبر ذلك شكلاً من أشكال الشراكة بين مؤسسات الدولة من جهة، وبين صُنّاع المحتوى من جهة أخرى.
لكن في المقابل، يجب أن يتم ذلك عبر إعلان قانون واضح وصريح يضمن حقوق العاملين في هذا المجال في الدول التي تتبنّى نظام الاقتطاع الضريبي.
نحو إطار مؤسساتي منظم
لتحقيق هذا الهدف، ينبغي تنظيم عمل صُنّاع المحتوى من خلال إنشاء نقابة أو جمعية تُعنى بحمايتهم وتقديم الخدمات التي يستحقونها استنادًا إلى المساهمات الضريبية التي يدفعونها.
يمكن لمثل هذه الهيئات أن تُعزز الشفافية في التعامل مع السلطات الضريبية، وتضمن الحماية القانونية والاجتماعية لأعضائها.
التمييز بين المحترفين والهواة
من المهم الفصل بين صُنّاع المحتوى المحترفين والهواة الذين يسيئون أحيانًا استخدام المنصّات الرقمية عبر نشر محتوى يضعف الذوق العام أو يروّج لمعلومات غير دقيقة.
لكن في المقابل، يمكن دمج هؤلاء ضمن برامج تدريبية تُعرّفهم بأساسيات إنتاج المحتوى وفوائده، وتوضح لهم واجباتهم وحقوقهم القانونية والمالية.
إنّ توفير ورش عمل ودورات تأهيلية سيُسهم في رفع مستوى الالتزام الضريبي، ويحدّ من الفوضى، ويحوّل طاقات الشباب إلى أدوات بناء وإبداع في مجتمعاتهم.
شراكة قائمة على الحقوق والواجبات
لا بد من أن تقوم العلاقة بين الحكومات وصُنّاع المحتوى على الحوار المفتوح، بعيدًا عن المقاربة العقابية أو الرقابية.
ينبغي أن يُنظّم عملهم ضمن إطار قانوني يحترم حرية الرأي والتعبير ويمنع في الوقت نفسه استغلال المنصات للتحريض أو نشر الكراهية.
كما يجب إنشاء آليات للطعن والاعتراض، وهيئات مستقلة لفحص الشكاوى، بما يضمن العدالة ويمنع التعسّف في تطبيق القانون.
دور التعليم والتثقيف
إنّ التثقيف القانوني والضريبي لصُنّاع المحتوى خطوة أساسية نحو بناء ثقافة مهنية مسؤولة.
يمكن تحقيق ذلك عبر ورش متخصصة وبرامج تدريب تدعمها مؤسسات الدولة بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية، لتوسيع الوعي بالحقوق والحريات العامة وسبل الدفاع عنها.
التعاون مع المجتمع المدني
يُستحسن إشراك منظمات حقوق الإنسان والمؤسسات المدنية في صياغة هذا الإطار التنظيمي، بما يُكرّس بيئة قانونية صحية للحرية الإبداعية ويمنح صُنّاع المحتوى الحماية والدعم اللازمين.
كما يمكن تبادل الخبرات على المستوى الدولي لتطوير معايير أخلاقية ومهنية موحّدة في هذا المجال.
قوة ناعمة للتغيير الإيجابي
إنّ صُنّاع المحتوى اليوم يشكّلون قوة ناعمة مؤثرة قادرة على توجيه الرأي العام ونشر الوعي المدني والاجتماعي.
وتنظيم عملهم لا يجب أن يُنظر إليه كقيد، بل كوسيلة لتفعيل دورهم الإيجابي في التنمية الثقافية والاجتماعية، خصوصًا في الدول التي تعاني من تراجع في مستوى الثقافة والقراءة.
ختامًا
إنّ الهدف من تنظيم هذا القطاع هو تحقيق توازن بين الالتزام الضريبي وحماية حرية التعبير، ضمن شراكة شفافة ومستدامة بين الحكومات وصُنّاع المحتوى.
بهذه الطريقة، يمكن تحويل هذا الجيل من المبدعين الرقميين إلى قوة منتجة ومؤثرة في بناء مجتمعات أكثر وعيًا وعدلاً ومساواة.
أحمد سليمان
إشارة: الدعوة تعتبر أرضية اولى للنقاش قابلة للإضافة والتعديل بما يتلائم

المزيد من المواضيع
وداعاً لقانون قيصر المشؤوم.. إلغاء غير مشروط وسوريا تطوي صفحة العقوبات
الحقيقة المجتزأة في «ملفّ دمشق» فصل جديد من وثائق التعذيب والقتل الممنهج في سجون النظام الأسدي
مكابس الموت… قراءة متأمّلة ودعوة للتهدئة