إنّ التاريخ، بما هو حصيلة لأفعال البشر وتفاعلاتهم، لا يمكن فهمه أو تفسيره بمعزل عن الإنسان، بوصفه الفاعل الأول في صناعة الحضارات وتطورها. فكل ما أنجزته الإنسانية من تحولات كبرى إنما كان ثمرة فكرٍ وإرادةٍ بشرية، استطاعت أن تغيّر مجرى الأحداث وتصوغ مصير الشعوب. من هنا، يغدو الإنسان هو العامل الجوهري في التاريخ، وهو القادر على رسم ملامح المستقبل وتوجيه مسار العالم نحو التطور أو الانحدار.
ومن هذا المنطلق، تبرز الحاجة إلى تعزيز القيم الإنسانية والاجتماعية الأصيلة، وتوسيع الوعي العلمي والتكنولوجي، بالتوازي مع حماية حقوق الإنسان وكرامته، والعمل من أجل العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع. فالإنسان هو المحور الذي تدور حوله كل مساعي التقدم، ولا يمكن لأي مشروع وطني أو حضاري أن ينجح ما لم يكن الإنسان في صُلبه وغاياته.
لكن المؤسف أن بعض الخطابات تحاول تزوير الحقائق عبر خلط المعلومات و«دَحش» المنابت العائلية أو الفئوية في صلب الهوية السورية، لتبدو وكأنها أهم من البلاد ذاتها. بل هناك من يروّج لفكرة أن سكان سوريا مجرد زوّار أو طارئين عليها منذ قرون! والحقيقة أنّ سوريا، من شمالها إلى جنوبها، قامت على تنوع مكوّناتها وانتماءاتها الثقافية والدينية واللغوية، وهو ما شكّل غناها الحضاري عبر التاريخ.
إن استعادة التاريخ بصورة مبرمجة ومفخخة لا تخدم الحاضر ولا المستقبل، بل تُكرّس الانقسام وتُلغي الآخر. لذا، فإن ما يجب التركيز عليه اليوم هو ترميم الإنسان أولاً. فالإنسان المتوازن والواعي هو الذي يعيد بناء الوطن، ويؤسس لتاريخٍ جديد يقوم على المعرفة لا على العصبية، وعلى المواطنة لا على الانتماء الضيق.
إن إعادة بناء الإنسان السوري تبدأ من إصلاح العلاقات الاجتماعية، وإنهاء منظومة التسلط العائلي والسياسي التي حكمت البلاد لعقود طويلة. عندها فقط يمكن الحديث عن ترميم الوطن وإحياء تاريخه ومكانته. فالتاريخ ليس ماضياً جامداً، بل هو أداة لفهم الحاضر والبناء نحو المستقبل، شرط أن يُتناول بعلمية وموضوعية، بعيداً عن الانحياز والتحريف.
وفي بلدٍ كـسوريا، متعدد الأعراق والأديان والثقافات، فإن الأولوية يجب أن تكون لترسيخ قيم التعايش والمواطنة والديمقراطية، وتعزيز الحوار والتفاهم بين جميع المكوّنات. كما يجب إشراك الشباب في هذه العملية بوصفهم أمل المستقبل، وحَمَلة فكرة الدولة المدنية الحديثة القائمة على العدالة والمساواة.
في الخلاصة، إن هدفنا يجب أن يكون تحقيق السلام والاستقرار والحرية، والعمل على إزالة منظومة الإجرام التي احتكرت السلطة وقمعت السوريين لعقود. فلا نهضة لوطنٍ دون مواطن حرّ، ولا مستقبل لدولةٍ لا تصون كرامة الإنسان. إنّ بناء سوريا الجديدة يبدأ من الإنسان أولاً، ثم من وطنٍ يقوم على دستور عصري يضمن المساواة والعدالة لجميع مواطنيه دون استثناء.
أحمد سليمان

المزيد من المواضيع
شيفرة السياسة الخارجية تجاه سوريا : تداخل الملفات، أدوار اللاعبين، وخيارات القيادة الحالية
إقالة مُلتبسة… شخصنة القرار وسوء الإدارة في اتحاد الكتّاب
جلسة مغلقة بين الشرع وترامب: انسحاب إسرائيلي، تنمية مشروطة، ومكافحة الإرهاب