أحمد سليمان : تأبين الوعي المقدس
"الحالة الآن" مصير أي تيار أو حركة الإستئناس بعالم فردي من شأنه النوم في مستنقعات الظلام.
الحركات الفنية والأدبية، خاصةً الدادائية والسريالية العالمية، لم تكن مجرد تيارات إبداعية بل تحولت إلى مرجع
حقيقي يشكل أساسًا لتشكيل الذائقة الجماعية. بدلاً من أن تكون مجرد بدائل، كانت تعبر بشكل اعتراضي عن واقعها، وتصر على أن تكون حاضرة بقوة لتأسيس مستقبل فني وأدبي.
في هذا السياق، تتجلى هذه الحركات الإبداعية في استخدامها للفن والأدب كوسيلة للتعبير عن احتجاجاتها ورؤيتها للعالم. تسعى إلى تحدي التقاليد الفنية وتفكيك التوقعات، مما يمنحها طابعًا اعتراضيًا وتحفيزيًا للتفكير.
من ناحية أخرى، عند النظر إلى التجمعات الثقافية في العالم العربي، نجد أنها تتبنى عادةً لقب “البديل الفوري المطلق” منذ لحظة تأسيسها. تظهر هذه التسمية للتموضع في مكان غير شاغر بل مزدحم بآلاف الآراء والحركات التي لم ينتبه إليها أحد. ولم يكلف أحدا من ذات التجمعات لصوغ مفاهيم جديدة للبحث عن بدائل غير تقليدية، مع الأخذ في الاعتبار تبين رغبتها في تقديم رؤى فنية وثقافية تتحدى الواقع لكنها في ذات الوقت لا تطلق تفكيرًا إبداعيًا جديدًا.
في هذا السياق، لن تشكل هذه التجمعات نقطة انطلاق حقيقية وحية لإيجاد “مستقبل أدبي/ثقافي”، مصحوب بحوار مفتوح مع الواقع السياسي، والذي يستند إلى التجديد والتحول. خصوصا إذا اعتمدت الإنكار لتاريخ قريب مؤثر ومعاصر، أي ما يمكن أن أصفه بـ “الحالة الآن”، ستكون مليئة بالفجوات. روادها يفتقدون لتجارب تمتد لثلاثة عقود، وبالتالي، مصير أي تيار أو حركة من هذا التوجه الإستئناس بعالم فردي من شأنه النوم في بؤر غير صحيحة وربما في مستنقعات الظلام.
الإلغاء المتبادل :
في تعليق قرأته للسيد يونس عطاري. لا شك أنه أخطأ في التعميم، وهو أمر غير مقبول. خاصةً عندما قال ” توجهات الأدب أصبحت تأخذ طابعًا سياسيًا”.
أعتقد بوسع الادب ان يناقش واقع سياسي أعوج. ولكنه يفشل في اداء وظيفته اذا انخرط في خط سياسي. فمن عاديات الامور ان تكون الثقافة، والأدب على وجه الخصوص حاضنة للسياسة ما يمكننا تسميته تهذيب السياسة وانسنتها بدلا من تركها تغوص في التوحش. لكن كما اسلفت لا يجوز اقحام الأدب في السياسة على طول الخط. بمعنى ما التعارض هنا يكون شرط واضح.
في الاشارة الى تعليق آخر ، فقد أصاب حين قال أن “الفن لا وصي عليه، لا قواعد ضابطة له” كلام كهذا دقيق . ولكن أعتقد لو أن السيد “عطاري” أورد أمثلة كان ذلك مفيد جدا ، لتوجيه الحوار بدلا من التهجم على نص أو كاتب.
وأيضا أصاب حين قال: “الجمعيات والحركات الفنية ذوّبها التاريخ الإبداعي، حيث الإبداع حرية وانفلات”،
مع انني اجد بداية تعليقه قد تسرع، ولكن كان من المفيد أيضًا أن يتم التعامل مع هذه التصريحات بشكل أكثر تحفظًا.
هنا، يمكن ان أضيف : “ماذا بقي من السريالية والدادائية غير الأثر المرجعي الملهم طيلة عقود من الزمن وللآن؟
مجلة “شعر: والتجارب المختلفة في مصر وسوريا شكلت تحديات وتجارب تجاوزت القيود وأعلنت عن نفسها. تجسدت فيها لحظات من التمرد والتجربة المستقلة.
اعتاش الزمن العربي السياسي على رصيد القمع وعمل تعميمه تحت مسميات لا حصر لها و بكل قسوة، لكن الشعر استطاع من التفلت على الرغم من ازدهار القمع .فقد وجد نفسه ملاذًا للتحرر والتجربة المختلفة.
الحركات والتيارات تعكس واقعًا متوافقًا ومتعارضًا في آن واحد. إلا أن إلغاء الفرد للجماعة أو العكس يمثل قمعًا واضحًا.