أحمد سليمان

قضية كتاب بين الإعتراض والقبول

قصور واضطراب وتغييب في تقديم المشهد الشعري السوري

تظهر بين الحين والآخر حالات تثير الجدل بسبب انتهاك المبادئ الأساسية لصناعة المحتوى والدراسات والنصوص الإبداعية. واحدة من هذه الحالات هي واقعة كتاب الشاعرة رولا حسن “الموجة الجديدة في الشعر السوري”. تناولت عدد من الصحف الرسمية الكتاب ضمن حملة بدت منتظمة وبشكل متقن، ولكن بعد شهور من إصداره تبين أنه يحتوي على خروقات لقواعد النشر المطبوع، منها إعادة تدوير مقاطع كاملة مستلة من مقالات ودراسات ونصوص أدبية منشورة في مجلات ومواقع متخصصة، مع بعض الإضافات من معدة الكتاب دون الإشارة إلى المصادر الأصلية والاعتراف بأصحابها.

 الأخطر هو اختيار بعض النصوص المشاركة التي تبين أنها محاكاة لنصوص شعرية وعوالم خارجية، لم تكن من إبداع إحدى المشاركات في الكتاب آفين حمو التي أكدت بأن نصها ” أغار” مستوحى من أجواء الشاعر أنسي الحاج.

رولا حسن، خرقت قواعد حماية حقوق المؤلف. ولكن يجب أيضاً التنويه إلى أن الشريك والمشرف على هذا العمل، القاص أحمد إسكندر، بالإضافة إلى دار النشر التي أصدرت الكتاب، يتحملون جزءاً من المسؤولية.

احتجاج شاعرة:

فاطِما خضر، ومن موقعها كإحدى المشاركات التي تناولت الدراسة نصوصها الشعرية، أشارت عبر مقال مزود بالوثائق المصورة في صفحتها الرسمية إلى عدة نقاط مفصلية تمثل عيوباً توضح عملية النسخ لمقاطع واقتباسات تعود لكتّاب آخرين. وقد لاحظت شخصياً بعد معاينة الوثائق وقراءتها مقارنة بالدراسة، ورود تدوير وتوليف لمقاطع كاملة من كتاب للروائي والسيناريست الراحل خالد خليفة، وأخرى للناقد المصري جابر عصفور.

أثناء البحث في المتصفحات، عثرت على مقال منشور في 3 فبراير 2024 للشاعرة فاطِما خضر، ترحب فيه بالكتاب المستهدف. جاء في المقال: “بعد مقدمتها الوافية لتصوير كيفية ولادة هذه الموجة، تنتقل رولا حسن إلى استعراض تجربة ست وعشرين شاعرةً، ينتمين إلى أجيال مختلفة ابتداءً من أواخر الستينيات حتى منتصف التسعينيات، ومن مدن سورية مختلفة” (فاطِما خضر، 16 يوليو 2024).

 

لكن بعد مرور ما يقارب خمسة شهور على هذا الاحتفاء، وهي فترة معقولة لتجول الكتاب بين أيدي المهتمين، وبعد الإمعان في الدراسة المدرجة في الكتاب، تم التعرف على عملية النسخ واللصق التي قامت بها رولا حسن. الأمر الذي دفع فاطِما لإثارة القضية في مقال آخر تشير فيه إلى تفاصيل الجناية التي اكتشفتها، مسلطة الضوء على المقاطع الكاملة المنسوخة من مصادر خارجية وإدراجها في الدراسة المنشورة في الكتاب بدون الإشارة إلى أصحابها.

مسؤولية ثلاثية:

لا يمكن إنكار أن مُعدة كتاب “الموجة الجديدة في الشعر السوري”، رولا حسن، قد خرقت قواعد حماية حقوق المؤلف. ولكن يجب أيضاً التنويه إلى أن الشريك والمشرف على هذا العمل، القاص أحمد إسكندر، بالإضافة إلى دار النشر التي أصدرت الكتاب، يتحملون جزءاً من المسؤولية. وذلك يعود لعدم التحقق من توثيق المصادر التي تم الاقتباس منها بالطريقة الصحيحة.

وفقاً لتقديراتنا، دور الشريك في العمل لا يقتصر فقط على إرسال النصوص التي يقترحها لمعدة الكتاب، بل يتضمن أيضاً مراجعة ما تم كتابته عن هذه النصوص والتحقق من مطابقته لسياق النصوص المقترحة. من ناحية أخرى، وظيفة دار النشر لا تقتصر على الوساطة بين الكاتب والمطبعة، بل تشمل المراجعة الشاملة والإشارة إلى الأخطاء التحريرية، والتأكد من أن الدراسة أو البحث يحتوي على الأذونات اللازمة. إن استخدام نصوص محمية بحقوق النشر من المؤلفين أو الناشرين الأصليين يعتبر جريمة قانونية تطال سمعة الدار بالإضافة إلى مؤلف أو محرر أو مُعدة الكتاب.

المحرر الشريك:

مشاركة القاص والكاتب والصديق القديم أحمد إسكندر، تؤكد بأن العمل قائم منذ سنوات مما يعني كان هناك متسع من الوقت للامعان بالمحتوى قبل طباعة الكتاب . حيث وصف الكتاب بأنه “وثيقة غير منتهية بدأتها الشاعرة رولا حسن بالتعاون مع الأيقونات السورية على فيسبوك منذ عام 2017 لتوثيق نصوص ورؤى شاعرات تلك الموجة العالية من الجمال والصخب الذي يعرف الجمال” (انتهى الاقتباس).إلا أن إسكندر، رغم تاريخه العريق في مجال الكتابة وانخراطه في التجمعات الثقافية لأكثر من 35 عاماً، لم ينتبه للجناية الكتابية عبر النسخ والتوليف التي قامت بها رولا حسن. هذا الأمر يثير التساؤلات، خصوصاً أن بعض المقاطع الواردة في الكتاب تعود لأصدقاء له، منهم الروائي خالد خليفة، مما يجعله مطالباً بتوضيح حول ملابسات هذه الدراسة.

تغييب شاعرات:

على الرغم من احتواء الكتاب على أربع وعشرين شاعرة، إلا أنه قام بتزكية أصوات من المبكر اعتبارهن تجارب متميزة، خصوصاً تلك الأصوات التي تكرر بصورة مستنسخة غير موفقة أجواء شعراء مكرسون ولديهم حضور كبير لأسباب معروفة.

لا شك أن الحالة السورية، بسبب الحرب الطاحنة وغياب التواصل بين مواطنيها، تفرض تحديات كبيرة. لكن هذا لا يبرر إصدار كتاب عن شاعرات سوريا يتم فيه استثناء أصوات متعددة ومهمة. على الرغم من مرور أربعة عشر عاماً قاسية جعلت الناس على مسافة وحذر من بعضهم البعض، فإن بفضل شبكات التواصل الاجتماعي وبقليل من البحث كان يمكن العثور على أجيال متفاوتة من شاعرات سوريات لهن مكانتهن، وكان من المفيد مشاركتهن في كتاب يخص تجارب شعرية متعددة.

السؤال المهم موجه لأحمد إسكندر ولمعدة الكتاب رولا حسن، كشريكين متعاونين في هذا الكتاب: ما هي المعايير التي تم اعتمادها لاختيار 24 شاعرة؟ وهذا لا يقلل من شأنهن، فلكل منهن بالطبع مساهمات تبين نشاطاتهن ومستوى كتاباتهن. 

سوف اقتبس ما تقوله رولا حسن في مقدمة الكتاب: “قبل أن نخوض في تجارب الشاعرات ونقرأ نصوصهن، أود الإشارة إلى موقع الأيقونات السورية ومديره الشاعر والفنان أحمد إسكندر سليمان، الذي واكب شاعرات هذه الموجة على موقعه الإلكتروني وشاركني في مرات كثيرة في اختيار الشاعرات ونصوصهن” ( انتهى الاقتباس).

يذكر أن الكتاب يحتوي على 26 شاعرة سورية، وهن: أريج حسن، بشرى البشوات، بسمة شيخو، خلود شرف، أفين حمو، ديمة حسون، راما وهبة، رشا حبال، رماح بوبو، صبا قاسم، عبير سليمان، عبير نصر، ليزا خضر، منار شلهوب، مناهل السهوي، ميس الريم قرفول، راما عرفات، شروق حمود، نورا علي، شذا خليل، نصيرة عيسى، نور نصرة، مريم الأحمد، فاطما خضر، سوسن الغزالي ونسرين الخوري.

يبقى السؤال قائماً حول كيفية اختيار هذه الأسماء وما إذا كانت هناك اعتبارات معينة تغيب عنها الأصوات الأخرى التي قد تكون جديرة بالاهتمام.

مقترح لحل الأزمة:

نظرًا لتشابك القضية التي حققت مخاوف من جمهور النشر الورقي والأوساط الثقافية والحقوقية، أجد من الضروري سحب الكتاب من الأسواق، خصوصاً أن المحتوى الإبداعي ليس ملكاً لصاحبة الدراسة. وعلى اعتبار الشريك في هذا المشروع أحمد إسكندر وصف الكتاب “وثيقة غير منتهية”، فمن المفيد إعادة تجميع المحتوى والطلب من المشاركات إرسال نصوص جديدة أو الإبقاء على ذات النصوص التي تتناسب مع خطة الكتاب. مع إضافة دراسة حيادية موسعة يقوم بكتابتها طرف ثالث، أو ربما يقوم أحمد إسكندر نفسه بهذه المهمة. ينبغي أن تشمل هذه الدراسة مشاركات أوسع تضم بقية الشاعرات اللاتي لم يشملهن الكتاب، واستبدال النصوص الخلافية

بهذه الطريقة، يمكننا النظر إلى “الموجة المجددة” بشكل مختلف وأكثر إيجابية  يضمن نقاء المشهد الثقافي واحترام عقول القراء.

أحمد سليمان/ ميونخ

المصدر: نشطاء الرأي

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق