أحمد سليمان: في خضم المشهد السوري المعقد، الذي تتشابك فيه المصالح الدولية والإقليمية مع إرادة الشعب، تبرز رمزية أحمد الشرع كإحدى الشخصيات التي أثارت جدلًا واسعاً. ظهور الشرع بحلة جديدة عبر الفيديوهات المنشورة، والتعليقات الإيجابية التي تلقتها، يعكس مزيجاً من الأمل والحذر لدى السوريين. هذا الثناء لا يعني بالضرورة قبول الشرع كحاكم مستقبلي، لكنه يبرز رمزية ظهوره كشخصية سياسية لم تعتد عليها الأجيال منذ أن أحكم حافظ الأسد قبضته على سوريا بدبابات الانقلاب عام 1970.
الوجهان المتناقضان/ الأسد والشرع
نرى في تاريخ سوريا وجهين مختلفين:
الوجه الأول: يمثله حافظ الأسد، الذي وصل إلى السلطة بعد إزاحة رفاقه في انقلاب عسكري، وزج بهم في السجون، ليكرس نفسه الحاكم الأوحد ويؤسس دولة أمنية قمعية. هذا النهج استمر مع ابنه بشار، الذي حول سوريا إلى مسرح صراعات دولية، دفع الشعب ثمنها من دمائه ومصيره.
الوجه الثاني: يمثله أحمد الشرع، الذي يمكن النظر إليه كنتيجة تراكمية لنضال السوريين المستمر منذ ماقبل انطلاق الثورة قبل 14 عاماً. الشرع يظهر الآن كشخصية قد تكون مدخلاً لمرحلة انتقالية تهدف إلى تحقيق الاستقرار في سوريا، وهو استقرار تأمل الدول الكبرى بأحد بنوده أن يعيد اللاجئين السوريين، خصوصاً مع ضغوط الدول الأوروبية التي تواجه أزمات استقبال متزايدة.
الشعور العفوي بالاطمئنان النسبي تجاه الشرع قد يكون نتيجة لفراغ طويل في القيادات المختلفة، أو لتعطش السوريين لرؤية وجه قد يمثل جزء من تطلعاتهم. ولكن من المهم أن نتذكر أن هذا الشعور كان يمكن أن يناله أي شخصية نضالية أخرى، لولا تغييب العديد منهم بسبب الصراعات أو الموت. شخصيات مثل المفكر السياسي ميشيل كيلو، الذي كان شاهداً على فترة التمهيد لاستباحة الدولة السورية وكان الأكثر إثارة في الاوساط السياسية المعارضة والرسمية بآن معا. وكان منذ البدء مع السوريين في الثورة لكن اللاعبين المحليين وضعوا العراقيل أمامه وأمام شخصيات مثله.
تحديات المرحلة القادمة
التوقعات المعلقة على الشرع تتجاوز المديح العابر، فهي محملة بآمال كبرى في تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية. هذه التطلعات تتطلب منه الالتزام بعدة نقاط جوهرية:
1. تحقيق العدالة: محاسبة المسؤولين عن الجرائم بحق الشعب السوري من خلال محاكم وطنية مستقلة بإشراف دولي.
2. ضمان الحقوق: بناء دولة ديمقراطية تحترم حقوق جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية.
3. الوفاء بالوعود: الاستجابة لتطلعات الشعب وتجنب السقوط في فخ الأنظمة السابقة التي وعدت بالتغيير ثم عادت إلى الاستبداد.
فرصة تاريخية:
أمام أحمد الشرع فرصة استثنائية ليكون جزءاً من صياغة مستقبل جديد لسوريا، يعيد الثقة بين الشعب والدولة المستقبلية، القائمة على أسس العدالة والاستقرار. نجاحه في ذلك لن يكون مجرد نجاح شخصي، بل هو اختبار حقيقي للسوريين أنفسهم، في قدرتهم على تجاوز الماضي وصياغة مرحلة جديدة تعيد لهم كرامتهم المهدورة، وتفتح الباب أمام جيل جديد يتطلع لبناء وطن يليق بتضحياتهم.
إنها لحظة فاصلة في تاريخ سوريا، إما أن تستغل لإعادة البناء على أسس سليمة، أو تُترك لتغرق في دوامة المصالح الدولية والصراعات الداخلية. الكرة الآن في ملعب الشرع، والسوريين، والمجتمع الدولي.
أحمد سليمان