أحمد سليمانزملاء
ترامب والعقوبات على سوريا – بين النسيان السياسي وتبدّل المواقف

في تصريح مفاجئ أثار موجة واسعة من الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرًا إنه “لم يكن يعلم أن سوريا كانت خاضعة للعقوبات لهذه الفترة الطويلة”. اللافت في هذا التصريح أنه صدر عن رئيس يشغل المنصب لولاية ثانية، وكان خلال ولايته الأولى قد وقّع شخصيًا على قانون “قيصر” عام 2019، والذي عمّق العقوبات الأميركية على النظام السوري بشكل غير مسبوق.
تزداد غرابة التصريح في ضوء إعلان ترامب في نفس المناسبة عن “إلغاء العقوبات على سوريا”، ما يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مدى إلمامه بالسياسات التي أطلقها سابقًا، ومدى استمرارية النهج الأميركي تجاه ملفات الشرق الأوسط الحساسة، وعلى رأسها الملف السوري.
•خلفية العقوبات الأميركية على سوريا
بدأت العقوبات الأميركية على سوريا مطلع الثمانينيات،أيام المقبور حافظ أسد وتوسعت تدريجيًا على خلفية اتهامات بدعم الإرهاب، لتصل ذروتها بعد عام 2011 مع انطلاق الثورة السورية، حيث شملت عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية واسعة، مستهدفة نظام بشارالأسد ومؤسساته . وجاء قانون “قيصر” في عهد ترامب ليُشكّل أداة ضغط مشددة ضد إجرامه، إذ فرض عقوبات على أي جهة تتعامل اقتصاديًا أو تقنيًا مع دمشق، بمن في ذلك الحلفاء الدوليون.
•من التوقيع إلى التراجع: ترامب في مواجهة ذاته
تصريح ترامب بأنه لم يكن على علم بطول أمد العقوبات يعكس، وفق مراقبين، حالة من التناقض السياسي أو حتى الانفصال عن الواقع التنفيذي للرئاسة. البعض يرى في ذلك جهلًا متعمدًا أو حقيقيًا يعبّر عن ضعف في إدارة ملفات السياسة الخارجية، بينما يعتبره آخرون مناورة سياسية هدفها التمهيد لإعادة رسم العلاقة مع سوريا في سياق جيوسياسي جديد.
وقد يكون التصريح أيضًا جزءًا من خطاب موجّه للداخل الأميركي، في محاولة لإرضاء قواعد انتخابية ترى في العقوبات والتدخلات الخارجية عبئًا لا فائدة منه، أو تمهيدًا لتطبيع محتمل تدفع باتجاهه أطراف إقليمية نافذة.
• تداعيات محتملة لإلغاء العقوبات
إذا صح أن ترامب قد ألغى العقوبات الأميركية على سوريا، فإن ذلك يُعدّ تحوّلًا جذريًا في نهج واشنطن، وله انعكاسات على أكثر من صعيد:
يُعدّ بمثابة ضوء أخضر سياسي للنظام السوري الجديد، ورسالة ضمنية بإمكانية القبول به كلاعب في المرحلة المقبلة.
من شأنه أن يعقد العلاقة مع الشركاء الأوروبيين، الذين لا يزالون متمسكين بسياسة العقوبات والقرارات الدولية، خصوصًا القرار 2254.
قد يؤدي إلى إضعاف موقف المعارضة السورية (المعزولة) التي تعتمد في شرعيتها السياسية على دعم الغرب المشروط بإجراءات عقابية ضد النظام.
كما قد يشكّل انفراجًا اقتصاديًا للنظام في حال ترافق مع تخفيف أوسع من المجتمع الدولي، ما يعيد رسم معادلات النفوذ الاقتصادي في المنطقة.
• سياسة خارجية متقلبة؟
تكشف هذه الإشكالية عن معضلة أعمق تتعلق باتساق السياسات الأميركية واستمراريتها. فالانتقال من مرحلة “قيصر” إلى “إلغاء العقوبات” خلال فترة حكم رئيس واحد، يطرح علامات استفهام حول مدى استقرار التوجه الأميركي في الملفات الدولية، وقد يقوّض ثقة الحلفاء في التزامات واشنطن.
كما يفتح المجال أمام خصوم الولايات المتحدة، كروسيا وإيران، لتوسيع نفوذهم في سوريا تحت غطاء سياسي ودبلوماسي جديد قد يوفره التحوّل الأميركي.
• اشارة أخيرة
سواء كان تصريح ترامب نتيجة نسيان فعلي، أو تلاعب سياسي محسوب، فإن تداعياته تتجاوز التصريحات إلى صلب التوازنات الجيوسياسية في المنطقة. فحين تتحوّل ملفات كبرى كالعقوبات إلى ورقة تفاوضية في يد رئيس يسير وفق نهج غير متوقع، يصبح من المشروع التساؤل: هل ما زالت واشنطن تمثّل شريكًا استراتيجيًا موثوقًا؟ وكيف سينعكس هذا التحوّل على مستقبل سوريا والمنطقة بأسرها؟
أحمد سليمان