أحمد سليمانتقارير حقوقية
عزيزي جون بولتون… آن الأوان للنظر إلى الواقع السياسي الجديد في سوريا

في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى التحولات الجارية في سوريا، برزت مواقف متشددة من بعض المسؤولين الأمريكيين السابقين، وفي مقدمتهم مستشار الأمن القومي الأسبق جون بولتون، الذي هاجم قرار الرئيس دونالد ترامب برفع العقوبات عن سوريا بعد لقائه بالرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع. بولتون، المعروف بمواقفه المتطرفة، اعتبر القرار “تنازلًا مجانيًا” دون تحقيق شروط كافية، واعتبر الشرع — الذي كان يعرف سابقًا باسمه الحركي “الجولاني” — غير مؤهل سياسيًا بسبب ماضيه.
لكن هذا النوع من التفكير، الذي يُصرّ على ربط أي انفتاح سياسي بسلسلة من العراقيل والشروط المسبقة، يتجاهل طبيعة التحولات المعقدة في سوريا والمنطقة، ويُقصي أي فرصة واقعية لإعادة بناء الدولة السورية وفق نهج جديد يوازن بين العدالة والاستقرار.
•التجربة الفتية لا تعني العزل السياسي:
لا شك أن التجربة السياسية الفتية الحالية بعد سقوط نظام بشار الأسد لا تزال تعاني من عيوب واضحة، نتيجة قلة الخبرة لدى القيادة الانتقالية، وهو ما لا ينكره السوريون أنفسهم، بل يرفضون استمراره بهذا الشكل. ومع ذلك، فإن ما يُحسب للشعب السوري اليوم هو استعداده للتعاون من أجل تقويم هذه المرحلة، وإعادة توجيه البلاد نحو مسار العدالة الانتقالية، وبناء أسس ديمقراطية راسخة تعكس تطلعاته التي كافح من أجلها سنوات طويلة.
•العقوبات لم تعد مبررة بعد زوال مسبباتها:
الإبقاء على العقوبات الأمريكية والدولية بحق سوريا، بعد تفكك النظام الذي فرضها، لم يعد مبررًا أخلاقيًا أو سياسيًا. فهذه العقوبات لا تطال الأفراد أو الفئات المتورطة، بل تطال مجتمعًا بأكمله، منهكًا اقتصاديًا وإنسانيًا. لقد كانت سوريا، لعقود، ضحية لحكم طغمة إجرامية مثّلتها عائلة الأسد، ولم يكن الشعب السوري معاديًا للسلام أو منغلقًا على الحلول، بل دفع الثمن الأثقل وحده.
إن رفع العقوبات في هذه المرحلة لا يعني تساهلًا مع الماضي، بل يعكس فهمًا واقعيًا للمشهد الجديد، ويمنح السوريين الفرصة لبناء مؤسسات شرعية، بعيدًا عن منطق الإقصاء والعقاب الجماعي.
•سابقة أحمدي نجاد: السياسة لا تقوم على الاجتثاث:
في هذا السياق، لا بد من التذكير بسابقة واضحة في السياسة الدولية: محمود أحمدي نجاد، الذي وُجهت إليه اتهامات بالتورط في أنشطة معادية للمصالح الأمريكية خلال ما يسمونه “الثورة الإيرانية”، بما فيها احتجاز الرهائن الأمريكيين في 1979، تم انتخابه لاحقًا رئيسًا لإيران، وتعاملت معه واشنطن ضمن مفاوضات رسمية بشأن الملف النووي.
إذا كانت البراغماتية السياسية قد بررت التواصل مع أحمدي نجاد رغم ماضيه، فإن رفض الانفتاح على قيادات سورية جديدة فقط بسبب ارتباطها السابق بجماعات مسلحة أو مواقف متطرفة — رغم تغير خطابها وتوجهاتها — يُعد ازدواجية في المعايير، ويغلق الأبواب أمام أي تحول حقيقي.
•دعوة إلى مقاربة جديدة:
إن المرحلة التي تعيشها سوريا اليوم تتطلب مقاربة جديدة في التعامل السياسي معها، قائمة على الانخراط الذكي، لا العزل، وعلى تقديم الحوافز مقابل التزامات واضحة. السوريون بحاجة إلى دعم دولي يُرافقهم في بناء دولة جديدة، لا إلى عراقيل تُفرض عليهم من الخارج تعيق خروجهم من نفق الحرب والدمار.
إن رفع العقوبات، وتوسيع قنوات التواصل، واختبار النوايا على الأرض، يمثل الطريق الوحيد لبناء مرحلة سياسية جديدة قائمة على التوازن، لا على الانتقام.
أحمد سليمان