قرارات أمنية إصلاحية واعدة، لكن مصير المعارضين المطلوبين منذ ما قبل الثورة لا يزال معلقًا

لا شك في أهمية القرارات الجديدة التي أعلنت عنها وزارة الداخلية، خصوصًا ما يتعلق بإلغاء شعبة الأمن السياسي وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية. هذه الخطوات تعكس نية واضحة لبناء مؤسسة أمنية مدنية حديثة، تلتزم بالمعايير الحقوقية الدولية وتفصل بين العمل الأمني والسياسي. كما أن الاتجاه نحو رقمنة الخدمات الحكومية، تحديث قوانين السجون، والسماح للمحامين بحضور التحقيقات، يمثل خطوات جوهرية في مسار الإصلاح وبناء الثقة بين المواطن والدولة.
ومع ذلك، لا يزال هناك خطر في استمرار مذكرات الاعتقال والملاحقة الأمنية الصادرة منذ عهد النظام البائد ـ منذ أيام حافظ الأسد ووريثه الهارب بشار الأسد ـ وهو أمر يثير قلق عشرات الآلاف ممن يخشون الاعتقال أو المساءلة الأمنية بمجرد عودتهم إلى البلاد. وقد شهدنا بالفعل حالات تعرض فيها حقوقيون ونشطاء عائدون للمساءلة في نقاط حدودية.
لا يزال هناك خطر في استمرار مذكرات الاعتقال والملاحقة الأمنية الصادرة منذ عهد النظام البائد وهو أمر يثير قلق عشرات الآلاف ممن يخشون الاعتقال أو المساءلة الأمنية بمجرد عودتهم إلى البلاد
إن عدم الفصل بين هذه الملفات والقضايا الجنائية مثل الفساد أو الاتجار بالمخدرات والسلاح، يهدد مصداقية الإصلاح الأمني، ويُعيد إنتاج منظومة القمع السابقة تحت مسميات جديدة. لذلك، من الضروري عزل هذه الملفات وإغلاقها نهائيًا، وطيّ صفحة الملاحقات السياسية التي لم تكن تهدف سوى لإسكات الأصوات الحرة. أما التهم ذات الطابع الجنائي، والتي غالبًا ما تشمل أركان النظام السابق أنفسهم، فيجب أن تُعالج ضمن مسار قضائي نزيه ومستقل.
أبرز ما ناقشته الجلسة التشاورية لوزارة الداخلية:
1. تعديلات هيكلية رئيسية في الأجهزة الأمنية
● إلغاء شعبة الأمن السياسي بالكامل، نظرًا لسجلها السلبي في انتهاكات حقوق الإنسان.
● تغيير اسم إدارة الأمن الجنائي إلى “إدارة المباحث الجنائية”، مع توجيه مهامها نحو العمل التقني والتحقيقات المتخصصة.
● استحداث إدارة جديدة لمكافحة الإرهاب، ضمن هيكل مستقل.
● الإبقاء على إدارات مكافحة المخدرات والاتجار بالبشر ضمن الهيكل الجديد.
● استبدال مسمى “الأمن العام” بـ “الأمن الداخلي”، مع تعيين مدير بكل محافظة ومدير فرعي بكل منطقة إدارية.
● إلغاء منصب مدير المنطقة كضابط شرطة، واستبداله بشخص مدني تابع للمحافظ لتقليل الاحتكاك الأمني بالمواطنين.
2. التوجه نحو الحكومة الإلكترونية
● العمل جارٍ على رقمنة خدمات الوزارة بالتعاون مع شركات دولية.
● إطلاق تطبيق حكومي يتيح الحصول على الوثائق الشخصية والخدمات الأمنية بشكل إلكتروني.
3. إعادة دمج العناصر السابقين
● إعادة بعض العناصر السابقين ذوي السمعة الجيدة إلى العمل بعد تأهيلهم، خصوصاً في أقسام المرور والهجرة والجوازات.
● قسم الجرائم المعلوماتية أعاد بالفعل بعض المهندسين والعناصر المؤهلين.
4. تحديث سجل الأحوال المدنية
● تحديات تقنية في تسجيل الواقعات إلكترونيًا ما تزال قائمة.
● إطلاق تجربة أولى بعد عيد الأضحى لاختبار النظام الجديد.
5. تطوير التشريعات
● تحديث قانون السجون القديم ليواكب المعايير الدولية.
● توجه نحو السماح بحضور المحامي خلال التحقيقات الجنائية والأمنية، وهو تطور لافت في البيئة القانونية السورية.
6. حلّ ملفات المطلوبين
● أكثر من 8.22 مليون مواطن كانوا ممنوعين من السفر أو مطلوبين أمنيًا زمن النظام البائد.
● تم حذف 5.2 مليون اسم ممنوع بسبب خدمة العلم.
● يُعالج حالياً وضع 3 ملايين شخص متبقٍ، بينهم 1.13 مليون موظف.
7. قضايا الانتربول والموقوفين في الخارج
● النظام السابق عمّم أسماء معارضيه على الانتربول، وسلّم لبنان قوائم تشمل قرابة 2 مليون مطلوب.
● الوزارة تسعى الآن إلى استعادة الموقوفين السوريين في سجن رومية اللبناني، ضمن إطار تفاهمات جديدة.
تشير هذه الخطوات مجتمعة إلى إرادة معلنة لبناء مؤسسة أمنية حديثة، تؤمن بالشفافية، وتعمل ضمن إطار القانون، وتحترم الحقوق الفردية. إلا أن نجاح هذا المشروع مرهون بإغلاق ملفات الانتهاكات السياسية السابقة، ومحاسبة المتورطين الحقيقيين في الجرائم الجنائية، لا تركهم طلقاء بينما يُلاحق ضحاياهم.
أحمد سليمان
صادر عن نشطاء الرأي