أحمد سليمانتقارير حقوقيةزملاء

مشيخة رقابة الدولة- ظاهرة خفية خلف إدارة الدولة السورية

أثير في الآونة الأخيرة جدل واسع النطاق حول ظاهرة غير مألوفة في بنية إدارة الدولة السورية، تجسدت فيما يمكن تسميته بـ”مشيخة رقابة الدولة”؛ وهي حالة غامضة تتعلق بحضور مشايخ أو شخصيات ذات طابع ديني-أمني، يمارسون نوعًا من الرقابة والتوجيه داخل مفاصل الدولة، دون أن تُسند إليهم مناصب رسمية معروفة أو صلاحيات معلنة.

● بين الدولة العميقة والسلطة الظل

المتابعون للشأن السوري يلاحظون منذ سنوات ملامح “دولة عميقة” تتحرك في الظل. إلا أن الجديد اليوم، كما تشير منشورات وتحليلات متفرقة، هو أن بعض هذه الشخصيات، التي يُطلق عليها في الأوساط الشعبية اسم “المشايخ”، بات لها دور فعلي في رسم السياسات أو التأثير على آليات اتخاذ القرار في بعض الوزارات أو المؤسسات التنفيذية.

يُقال إن بعض هؤلاء لا يتلقون رواتبهم من الخزينة العامة، بل تُصرف لهم مخصصات عبر تطبيقات رقمية أو جداول غير معلنة، في آلية تفتقر إلى الشفافية وتثير تساؤلات مشروعة حول مصدر القرار ونطاق نفوذ الدولة الرسمي.

● الشيخ يقرر… والقانون يتراجع

الخطير في هذه الحالة ليس مجرد وجود دور استشاري ديني أو معنوي، بل ما يُتداول عن تدخلات فعلية في شؤون الإدارة، بما يشبه “الوصاية”، كما يصفها البعض. ففي قراءة سريعة لما يُنشر على الشبكات الاجتماعية، يجمع عدد من المثقفين السوريين على أن ثمة انزياحًا في مركز القرار، بحيث يُفسّر القانون ويُدار أحيانًا وفق توجيهات رمزية غير رسمية.

وقد عبّر أحدهم عن هذه المخاوف بالقول: “نحن نعيش في جهاز دولة يقف في ظل دولة أخرى. القانون موجود، لكنه يُفسَّر ويُدار من قبل شيخ غير مسؤول أمام أحد.” وأضاف: “هذا الشكل من شخصنة الدولة مرعب، ومن الصعب أن يستمر على المدى الاستراتيجي، لأن البلدان لا تُدار بهذه الطريقة.”

● محاولات تفنيد:
على نسق غريب، برزت أصوات أخرى تدافع عن الواقع الرسمي وتنفي ما يُثار عن وجود رقابة غير معلنة أو تدخل ديني في الحياة العامة. فقد أشار بعض من زاروا سوريا مؤخرًا إلى أن هذه الادعاءات غير صحيحة جملة وتفصيلًا، واعتبروها مبالغات لا تستند إلى معلومات واقعية. بل إن بعضهم اتهم منتقدي الظاهرة باختلاق روايات لا تدعمها الوقائع الميدانية.

واللافت أن هذا التفنيد جاء رغم توفر فيديوهات توثق حالات في كل من حلب ودمشق، إضافة إلى قرارات رسمية مثل القرار الصادر عن وزارة السياحة بخصوص لباس البحر، والتي اعتُبرت جميعها مؤشرات على ازدياد مظاهر التشدد والتدخل في الحياة الشخصية. ومع ذلك، أصرّ المدافعون على أنها تفسيرات مغلوطة أو مبنية على تهويل إعلامي.

ويرى مراقبون أن هذا التناقض في السرديات يعكس انقسامًا واضحًا في المجتمع السوري، بين من يرصد مظاهر التشدد والتغوّل غير الرسمي، وبين من يحاول تقديم صورة أكثر تجميلًا للواقع، أحيانًا بدافع الخوف من العواقب المستقبلية على التصريحات الشخصية، أو لأسباب تتعلق بالسعي نحو مناصب وظيفية أو استرضاء شبكات النفوذ داخل مؤسسات الدولة.

● الوصاية القديمة بثوب جديد

ليست ظاهرة الوصاية الدينية أو الأمنية على القرار السوري وليدة اليوم، لكن ما يحصل الآن – بحسب مطلعين – هو تغير في الشكل والوسيلة. لم تعد هذه الوصاية تأتي من خلال أجهزة معلنة أو رتب رسمية، بل من خلال حضور رمزي لكنه نافذ، يفرض على المعنيين بالتنفيذ خيارات لا تمر عبر السُلم الإداري أو المؤسساتي.

قال أحد العاملين في القطاع الحكومي – طالبًا عدم ذكر اسمه – إن التوجيهات تصل أحيانًا بصيغة: “الشيخ قال”، ولا يملك المدير أو حتى الوزير صلاحية الاعتراض، حتى إن تعارضت مع الأنظمة والتعليمات.

●غياب الشفافية ومخاطر مأسسة “الظل”

يرى مراقبون أن أخطر ما في هذه الظاهرة ليس فقط تأثيرها الفعلي، بل كونها غير قابلة للمساءلة. فالدولة بمفهومها القانوني والدستوري تعتمد على التراتب المؤسسي، والرقابة المتبادلة، والمحاسبة عبر القضاء أو السلطة التشريعية. أما حين يصبح مصدر القرار خارج هذا النسق، فإن البنية القانونية تفقد فعاليتها، وتصبح الدولة واجهة شكلية لسلطة غير مرئية.

المسألة لا تتعلق هنا بدور الدين أو الأخلاق في الإدارة، بل بطبيعة السلطة ذاتها: من يقرّر؟ ومن يُحاسَب؟ وكيف تُدار شؤون المواطنين في ظل غموض المرجعية؟

● الحاجة إلى مكاشفة وطنية

إذا كانت المشيخة جزءًا من تقاليد اجتماعية أو دينية، فإن تحولها إلى سلطة فوق الدولة يشكّل اختلالًا في التوازن المؤسسي. ومع تفاقم التحديات الاقتصادية والإدارية في سوريا، يصبح من الضروري، أكثر من أي وقت مضى، إعادة ضبط العلاقة بين الرمزي والسياسي، وبين الرسمي وغير الرسمي، ووضع ضوابط قانونية تمنع تسلل السلطة من خارج قنواتها الدستورية.

أحمد سليمان

صادرعن نشطاء الرأي

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق