السويداء بلا حصار: بين نار الميليشيا وعزل المؤسسات — سردية المظلومية بين الابتزاز والواقع

في المشهد السوري المعقّد، يبقى التضامن الإنساني واجبًا أخلاقيًا لا مساومة فيه. ولا يقبل عاقل أن تُجَوّع مدينة أو يُعاقب أهلها جماعيًا. لكن في حالة السويداء، تبرز تساؤلات جدّية حول طبيعة ما يُروّج له كـ”حصار”، وهل هو واقع ميداني فعلي أم أداة دعائية تستخدمها قوى أمر واقع تفرض سلطتها داخل المدينة.
عرض الحقائق بناء على مصادر ميدانية
1. الطرق مفتوحة: المعابر المؤدية للسويداء، خصوصًا من جهة درعا، مفتوحة ولا تخضع لحصار من الجيش أو من جهات رسمية. تدخل منها مواد غذائية ووقود، وفق توثيق منظمات إنسانية محايدة.
2. سيطرة داخلية: مداخل المدينة تدار من قبل فصائل مسلحة تدين بالولاء لحكمت الهجري، وهي التي تحدد بشكل انتقائي ما يدخل ويخرج من المدينة.
3. غياب الحصار العسكري: لا وجود لدبابات أو حواجز نظامية تمنع الطعام أو الدواء، بخلاف ما حصل في مضايا أو الغوطة، ما يضعف مصداقية الخطاب المروج لمظلومية مشابهة.
4. التطهير والتهجير: يتم تجاهل إعلامي لتهجير عشرات العائلات من البدو والمسيحيين من ريف السويداء، والذين يعيشون اليوم في ظروف صعبة بضواحي دمشق.
● التلاعب العاطفي
انتشرت على وسائل التواصل صور موائد طعام تحت وسم “#متضامن_مع_السويداء”، وهو تضامن يبدو سطحيًا، وربما مضادًا للغرض الإنساني، إذ يغفل الكارثة الأعمق: من هم المسؤولون الفعليون عن معاناة السكان؟
● البعد الأخلاقي
ليس المطلوب الدفاع عن السلطة أو إدانة المجتمع المحلي، بل تسليط الضوء على الواقع الإنساني الحقيقي، وتجنب تحويل التضامن إلى أداة تبييض لفصائل ارتكبت تجاوزات موثقة بحق المدنيين.
● الواقع الميداني
السويداء ليست محاصرة من الخارج، بل تعيش حالة حصار داخلي مفروض من قوى محلية تحت غطاء طائفي. محاولة إيهام الناس بأنها مدينة معاقبة جوعًا تخفي حقيقة أن أهلها، مثل كل السوريين، يُعاقبون من منظومات السلاح والانقسام.
○ ملحق / تحديث: توثيقات وانتهاكات متبادلة
تؤكد فيديوهات موثقة صحة وجود انتهاكات متبادلة في السويداء نتيجة اشتباكات مسلّحة بين فصائل درزية وعشائر بدوية سنّية. كما ظهر طرف ثالث، بدوافع غير بريئة، استغل الفوضى لينفّذ اعتداءات على الطرفين.
توسعت الاشتباكات إلى المناطق الجبلية وغرب المحافظة، حيث سيطرت فصائل بدوية على قرى: المزرعة، الطيرة، الدور، سميع.
بعد انسحاب الجيش والأمن السوري، ارتكبت مجموعات مسلحة محسوبة على بعض الفصائل الدرزية:
1. مجازر وانتهاكات بحق عشائر بدوية.
2. احتجاز نساء وأطفال.
3. إحراق منازل.
4. تصفيات ميدانية.
كما وثقت جهات مستقلة إعدامات ميدانية نفذتها مجموعات ترتدي زياً شبيهاً بالأمن العام، إضافة إلى تجاوزات قيل إنها ارتكبت من قبل عشائر بدوية. رافق ذلك عمليات نهب وإهانات رمزية مثل حلق الشوارب الدرزية.
● تواطؤ داخلي وأجندات خارجية
تداول نشطاء صورًا ومعلومات حول قادة ميليشيا حكمت الهجري، كاشفين عن تناقض صارخ بين شعارات “الكرامة” التي ترفعها هذه الميليشيا، وواقع تحالفها مع شخصيات أمنية وعسكرية من بقايا النظام الأسدي، أبرزهم العميد سامر الشعراني، المتهم بارتكاب جرائم تعذيب وقتل في محيط دمشق. هذه الوقائع الموثّقة تُظهر أن من يزعمون الدفاع عن السويداء، هم أنفسهم جزء من شبكة أوسع تعمل على حماية فلول النظام، الأمر الذي يعزز فرضية وجود “طرف ثالث” يذكي الفوضى ويضرب نسيج المجتمع السوري عبر إشعال النزاعات المحلية.
في المقابل، أعلن الأمن السوري أنه سيلاحق جميع المتورطين “مهما كان انتماؤهم ومرجعيتهم العسكرية”، في تصريح يُنظر إليه على أنه تبرؤ متأخر من أطراف كان لها ارتباط وثيق بالأجهزة الأمنية سابقًا.
وقد ازداد المشهد تعقيدًا مع تدخل جوي إسرائيلي، بدعوى “حماية الدروز”، حيث استهدفت الغارات مواقع عسكرية سورية قرب مناطق التوتر، في تطور يطرح أسئلة حول تداخل الأجندات الخارجية مع الصراع المحلي في المحافظة.
● التحليل والضرورة
1. الأزمة أكثر تعقيدًا من صراع مباشر بين الدروز والبدو، وتشمل قوى ثالثة تنفذ اعتداءات ضد المدنيين.
2. الاعتماد على رواية طرف واحد لا يكفي لبناء تقييم عادل.
المطلوب: لجنة تحقيق مستقلة ومحايدة، تضم:
1. خبراء حقوقيين ومراقبين.
2. تمثيل المجتمع المدني والمنظمات المستقلة.
مهام اللجنة:
○ جمع شهادات من جميع الأطراف.
○ فحص الأدلة الميدانية والفيديوهات.
○ إصدار توصيات عملية لضمان العدالة ومنع تكرار الانتهاكات.
الخلاصة:
نقف مع شعب السويداء كما مع أهالي الساحل، حلب، الرقة، ودرعا. ونطالب بـ لجنة مستقلة لزيارة المدينة وتقييم الواقع الإنساني بعيدًا عن الضجيج الدعائي، وبما يخدم الحقيقة والعدالة.
أحمد سليمان
صادر عن نشطاء الرأي