أحمد سليمانمنظمة نشطاء الرأي

بين فخ التوازن وذاكرة الدم. قراءة في زيارة الشيباني لموسكو في ظل إغراءات روسية مشروطة

أود القول: في السياسة، ليست كل الأبواب التي تُفتح فرصة، وبعض “التوازنات” تُعيدنا إلى قلب الجريمة نفسها.
ثم، هل تُبنى الكرامة الوطنية بتحالفات ملوّثة؟ وهل تُرمم بزيارات تبيّض جرائم محتلين؟

في لحظة سياسية مفصلية، وبعد سقوط النظام الأسدي، تتكشف ملامح مرحلة جديدة تُبنى ببطء لكنها محمّلة بالمخاطر. من بين هذه المخاطر، تلوح محاولة إعادة إدخال روسيا إلى سوريا من بوابة “التوازنات الدبلوماسية”، وهي محاولة لا تنفصل عن طموحات إيرانية مستترة لإعادة التموضع، وكأن التاريخ قد مُحي، وكأن الدم السوري قابل للتدوير.

زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو لا يمكن قراءتها بوصفها مجرد نشاط بروتوكولي. إنها تفتح بابًا للتساؤل: هل يتم تمهيد الأرض لإعادة تطبيع العلاقة مع قوة محتلة، مارست القصف والتهجير والتواطؤ الكامل مع آلة الأسد القمعية؟
إن مفهوم “الواقعية السياسية” الذي يُستند إليه أحيانًا لتبرير هذه الخطوات، لا يُعفي الدولة السورية الجديدة من مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية تجاه ضحايا روسيا. فهذه الأخيرة لم تكن يومًا وسيطًا، بل كانت طرفًا مباشرًا في الحرب ضد الشعب السوري، دعمًا لحكم الفرد والطغيان العسكري.

أما إيران، فحضورها لم ينقطع فعليًا. لكنها اليوم، عبر قنوات ناعمة، تسعى للعودة بصيغة جديدة: أقل عسكرية، أكثر اختراقًا ثقافيًا واقتصاديًا، سواء عبر شبكات التعليم أو الدين أو الاستثمار.
غير أن العودة الإيرانية إلى سوريا، حتى لو جرت محاولتها، ستبقى محفوفة بالفشل طالما بقي المزاج الشعبي والوطني السوري واعيًا للثمن الثقيل الذي دفعته البلاد بسبب هذا النفوذ الطائفي العابر للحدود.

في المقابل، هناك أصوات تتبنى قراءة أكثر “براغماتية”، ترى في إبقاء خطوط الاتصال مع روسيا خطوة ضرورية، بحكم مكانتها الدولية، وما تملكه من قدرة على تعطيل أو دعم أي مسار سياسي.
يُقال إن موسكو بدأت مراجعة لبعض اتفاقاتها السابقة مع النظام، وإنها قد تكون منفتحة – إذا تغيّرت المعادلات الدولية – على دور أقل عدائية. كما يُخشى من أن تجاهلها كليًا قد يدفعها للعب أدوار تخريبية مستقبلية، خصوصًا في حال حصلت على أوراق تفاوض إضافية في ملفات أخرى كأوكرانيا.

ورغم أن هذه القراءة قد تبدو عقلانية للوهلة الأولى، إلا أن الخطورة تكمن في ما تُخفيه:
تحييد الضرر لا يعني التطبيع مع المجرم، والانفتاح التكتيكي لا يجب أن يُترجم إلى شراكة مستقبلية مع قوة احتلال. الواقعية السياسية الحقيقية تبدأ من الذاكرة، من الاعتراف بالمسؤوليات، من وضع شروط واضحة ومعلنة: لا قواعد دائمة، لا وصاية سياسية، لا غفران بلا مراجعة كاملة.

ما يضاعف القلق أن هذا الانفتاح، إن لم يُحكم بضوابط وطنية صارمة، سيُفسر في بعض أوساط النظام القديم، لا سيما في مناطق الساحل، على أنه إشارة خضراء لإعادة بناء نفوذ سياسي تقليدي بواجهة جديدة. ذلك يعيد إنتاج المظلومية الطائفية كسلاح ضغط سياسي، ويمنح رموز الاستبداد فرصة جديدة للعودة على أكتاف “الشرعية الدولية”.

ما تحتاجه سوريا الجديدة ليس قطع الجسور مع العالم، بل بناء سياسة خارجية قائمة على الندية، والشفافية، ومراعاة الذاكرة الجمعية للسوريين.
سياسة لا تستبدل العزلة بالارتهان، ولا تخلط بين الانفتاح والسيادة، ولا تبرر الجراح بالتفاهمات الغامضة.

من شارك في دفن البلاد تحت الركام، لا يجوز أن يعود من بوابة البناء.

أحمد سليمان
صادر عن نشطاء الرأي

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق