واشنطن وسوريا: انفتاح مشروط وحذر استراتيجي

( ترامب: الإزالة من قائمة الإرهاب قادمة، لكن “لن تكون شيكًا على بياض”)
بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر وتولي أحمد الشرع منصب الرئيس الانتقالي، تتجه الأنظار إلى السياسة الأمريكية تجاه دمشق. ورغم رفع إدارة ترامب في يونيو 2025 الجزء الأكبر من العقوبات الاقتصادية عن سوريا، فإنها ما تزال — رسميًا — مدرجة على قائمة “الدول الراعية للإرهاب”، وفق وزارة الخارجية الأمريكية.
هذا الموقف يعكس ما أصبح نهجًا مألوفًا في السياسة الخارجية الأمريكية: “الانفتاح المشروط”. واشنطن لا ترغب في ترك فراغ سياسي أو اقتصادي قد تستفيد منه أطراف منافسة مثل روسيا أو إيران، لكنها في الوقت نفسه تتجنب الاندفاع نحو تطبيع كامل قبل التأكد من أن القيادة الانتقالية في دمشق قادرة على تثبيت الاستقرار، وإدارة علاقاتها الإقليمية — وخاصة مع إسرائيل — بحذر وانضباط. إبقاء سوريا على القائمة في هذه المرحلة يمثل صمام أمان سياسي يمنح واشنطن القدرة على إعادة تقييم المسار في أي لحظة، مع توفير مساحة محدودة للسلطات الجديدة للتحرك تحت الاختبار.
الموقف الأمريكي: رفع جزئي للعقوبات مع إبقاء أداة الضغط
رغم تخفيف العقوبات، فإن إبقاء سوريا على قائمة الإرهاب لا يعني عداءً للحكومة الانتقالية، بل يشير إلى اختبار للنوايا. واشنطن تربط أي خطوة لإزالة اسم سوريا من القائمة بمراقبة أداء الرئيس الشرع، وخاصة فيما يتعلق بالحوكمة الشاملة وبناء مؤسسات قادرة على إدارة الدولة بعيدًا عن النزعات الإقصائية أو التوترات الداخلية.
الثقة الحذرة: إشارات إيجابية مشروطة بخطوات ملموسة
المبعوث الأمريكي توم باراك عبّر عن “ثقته” في نوايا الشرع، لكنه شدد على أن هذه الثقة تستند إلى إشارات أولية وتحتاج إلى إثبات عملي. الولايات المتحدة تدرك هشاشة الوضع السوري وتسعى إلى ضمان أن الإصلاحات لن تنحرف نحو مسارات قد تفتح المجال أمام نفوذ متشدد أو تدخلات إقليمية قد تهدد الاستقرار.
من القطيعة إلى الانفتاح المنضبط: تحول سريع ومحسوب
التغيير في دمشق كان دراماتيكيًا: سقوط النظام في ديسمبر، ثم تحركات أمريكية لرفع العقوبات جزئيًا في مايو، في خطوة فسرتها واشنطن على أنها “منح فرصة” للنظام الانتقالي. الهدف المعلن هو إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي وتحفيز الاستثمارات، لكن هذا الانفتاح ليس بلا حدود، بل مضبوط بمحددات سياسية تضع الاستقرار الشامل كشرط أساسي لأي تطبيع كامل.
الملفات الميدانية: مؤشرات تعاون وحساسيات إقليمية
ملف السويداء:
تعاون السلطات الانتقالية مع مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في التحقيق بمقتل مواطن أمريكي خلال أحداث عنف محلية عزز صورة إيجابية لدى واشنطن، لكنه يظل خطوة رمزية لا تكفي بحد ذاتها لرفع اسم سوريا من قائمة الإرهاب.
العلاقات مع إسرائيل:
رغم إعلان دمشق استعدادها لاحترام اتفاق 1974، فإن العلاقة ما زالت في طور الاختبار. استمرار الضربات الجوية الإسرائيلية منذ أواخر 2024، وتعقيدات الوضع في الجولان، تجعل من هذا الملف أحد أكثر عناصر التقييم الأمريكي حساسية. توجد قنوات تواصل غير مباشرة تهدف إلى خفض التصعيد، لكنها لم ترتقِ إلى مستوى اتفاق رسمي أو تفاهم مستدام.
الرسائل الضمنية: حوافز مشروطة وضغوط مستمرة
إلى دمشق: التسهيلات الاقتصادية مشروطة بسلوك سياسي متزن، والشرعية الدولية رهن بالتزامات ملموسة.
إلى المعارضة: القيادة الانتقالية مطالبة بإثبات قدرتها على إدارة شؤون الدولة بفاعلية ضمن إطار جامع ومتوازن.
إلى إسرائيل وحلفاء واشنطن: الموقف الأمريكي محسوب ويقوم على التدرج والحذر، لتفادي أي مفاجآت سياسية أو أمنية.
مختصر المشهد: دبلوماسية مشروطة لتجنب الانزلاقات
السياسة الأمريكية تجاه سوريا بعد الأسد تقوم على معادلة واضحة:
▪︎ انفتاح اقتصادي وسياسي لمنع الانهيار.
▪︎ مراقبة دقيقة لتجنب عودة الفوضى أو تنامي نفوذ الجماعات المتطرفة.
▪︎ تحكم في الإيقاع الإقليمي، خصوصًا في ملف العلاقات مع إسرائيل، باعتباره عنصرًا حاسمًا في أي تسوية مستقبلية.
رؤية أوروبية: دعم حذر ومشروط
من منظور أوروبي، يُنظر إلى سياسة واشنطن في سوريا بوصفها توازنًا بين الواقعية السياسية والحذر الاستراتيجي. في برلين وبروكسل، هناك إدراك بأن نجاح التجربة الانتقالية السورية يتطلب دعمًا اقتصاديًا ومؤسسيًا، لكن دون تجاهل التعقيدات الأمنية والإقليمية. ومع أن إسرائيل تبقى نقطة مركزية في حسابات أي تسوية، فإن الاتحاد الأوروبي يتعامل بحذر، محاولًا المواءمة بين مصالحه في الاستقرار الإقليمي ودوره كشريك في إعادة الإعمار، بشرط أن يظل المسار السياسي السوري متماشيًا مع المعايير الدولية للحكم الشامل.
●أحمد سليمان:
صادر عن نشطاء الرأي