أحمد سليمانزملاءمنظمة نشطاء الرأي

ازدهار الرجعيات السياسية: الثورة على قيم الزيف المعاصر.

منذ اندحار الطاغية بشار الأسد، ونحن نكتشف يوميًا وجوهًا جديدة لما يمكن تسميته بـ”الدعشنة” المعاصرة. وليس المقصود هنا تنظيم “داعش” وحده، بل كل منظومة تعتقد أن القبيلة أو القومية أو الدين والطائفة هي المدخل للسيطرة على العقول وإخضاع البشر. فلكل ملة دواعشها، حتى وإن ارتدوا البدلات وربطات العنق أو تزينوا بشعارات الحداثة.
صرنا نرى من يمسي داعشيًا ويصبح ماركسيًا أو فيلسوفًا، ومن يكتب في عطلة نهاية الأسبوع بيانات تدعو للعودة إلى ما قبل سايكس – بيكو (نموذج يحتل الجزيرة)، وربما إلى زمن الزحف على أربع.

في الساحل، رأينا كيف تجسدت “داعشية الأسد” وردود الأفعال عليها، حين دفع فلول النظام بأبناء المنطقة إلى معارك قذرة، في محاولة لفصل الساحل والعودة إلى كرسيه المهجور. وفي المقابل، خرجت أصوات أكثر تطرفًا، تتحدث بمنطق الغزوات وتستدعي التكبير بدل العقل، في سلوك تجاوز همجية التطرف بأعلى مستوياته، وأدان هذا العنف الخطير السوريين كافة، بمن فيهم من تصدّروا المشهد الحالي في قيادة البلاد.
وفي السويداء، خرجت نسخة أخرى من “الدعشنة” متخفية خلف شعارات علمانية، لكنها تحمل مضمونًا طائفيًا انفصاليًا، التقطتها قوى مسلحة هنا وهناك، من الشمال الشرقي إلى أطراف الجنوب، بينما التقت مصالح الفلول مع هذه الموجة، وحرّكت المعارك من غرف سوداء. وبالتوازي، اشتعلت حرائق الساحل، ليتضح لاحقًا أن المشهد كله كان معدًّا مسبقًا.

المشهد السوري اليوم:
رجعيات تتصارع على أشلاء وطن، وكل طرف يدّعي امتلاك الحقيقة. المخرج الوحيد من هذا الإحتراب سيكون عبر دعوة صريحة وواضحة – من لا يقتل “داعشه” الكامن في لاوعيه، فهو شريك في إعادة إنتاج الجريمة تحت لافتات جديدة.

الأكثرية ولكن:
يستأثر البعض بمفهوم “الأكثرية” التي من حقها تولّي حكم البلاد وإلغاء أي أفق لتداول لاحق للسلطة. خطابٌ ترافق مع أسلوب حكم لاحظه السوريون بأنه تجاوز مفهوم الفترة الانتقالية، كما رافقته سلوكيات استفزازية للتعدد السكاني في البلاد، إضافةً إلى تدخل من يعتبرون أنفسهم حماة الحكم من “الدائرة الخلفية”، لتعلو صيحات في الشوارع تحمل عناوين تذكرنا بحقبات التطرف.
إذا كانت الأغلبية ما زالت متمسكة بفكرة الدولة التي تحتكر المجتمع وتديره بمنطق ماضوي، فلماذا يرفع البعض شعارات دولة حديثة وعادلة؟ ولماذا صيغ إعلان دستوري يمنح السلطة لرئيس، ويحوّل الدولة إلى ما يشبه ملكية خاصة لعائلة ومقرّبين وموالين؟
إن هذه “العدالة” ليست سوى درع لحماية امتيازات أغلبية مُصنَّعة، تصمت على الجرائم وتنسبها إلى مجموعات متفلّتة. مشهد كهذا يفتح الباب لردود فعل تدفع البعض إلى تأسيس مظلومية من مكوّنات متضرّرة، ثم تتفرع عنها مظلومية مصنَّعة لأهداف أنانية، لتعويم وجه طائفي أو قومي على أرض سورية منتهكة السيادة.
الدولة العادلة لا تقوم على فكر احتكاري يسحق المعترضين بسيف التخوين أو التكفير أو الاتهام بالعمالة، ولا بد من محاسبة شاملة لكل من ارتكب جريمة، أو استثمر في الدم، أو روّض الناس باسم الأمة أو الإله بعد أن عملوا على تصفية وعزل نشطاء الثورة.

إشارات لا بد منها:
من جلب تركيا إلى سوريا هم عسكر أوجلان وأتباعهم، بدعوى “الحماية الذاتية”، وهم أدوات إقليمية بامتياز.
ومن جلب روسيا هو حافظ الأسد، وتابعه بشار، ومن أعادوها اليوم هم أنفسهم من يرفعون شعار “من يحرر يقرر”، شعار في جوهره لا يختلف عن فكر “بالذبح جيناكم”. النتيجة: حاضر غارق في مستنقع النزاعات، ودولة لم تعد مشروع وطن بل غنيمة لفئات متناحرة، يحكمها شيخ أو مفتي أو حتى ضابط مخابرات سابق، بينما الشعب تائه في أتون الحروب المستمرة.

الطريق الوحيد أمام السوريين:
الخروج من نشوة لحظة سقوط الأسد، وفهم أن الاستبداد لم يهرب معه، بل ترك وراءه طبقات من الرجعيات: دينية، طائفية، قومية، وعائلية، تتقاسم الغنائم على حساب الوطن والمواطن.
نريد سوريا لا تشبههم؛ سوريا خالية من بؤر التطرف، قائمة على السلم الأهلي والعدالة الانتقالية.
لا عفو بلا محاسبة، ولا مصالحة بلا كشف الحقائق،
ولا أمان بلا اجتثاث جذور الإجرام.

اقتصاد افتراضي:
كل مشاريع التنمية والاقتصاد، ما لم تبدأ بكنس المجرمين وتطهير مؤسسات الدولة من شبكات النهب، وتقديم رموز الفساد والقتل إلى العدالة، وعزل “حكومة الظل” التي تعيق مشروع الدولة، فهي ليست إلا مساحيق تجميل لخراب مستمر، وتزوير فاضح لواقع مأزوم، وغسل وجه قبيح بنقود مسروقة من دم الناس.
لا خطة اقتصادية تنجح فوق جثث الضحايا، ولا تنمية تُبنى على صفقات بين السفاحين وشركائهم في الخارج.
فالاقتصاد لا ينهض تحت مظلة اللاعدالة، بل يتحول إلى أداة جديدة للقمع وتمويل الرجعيات المتنازعة على الغنائم.

أحمد سليمان

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق