تشكل محافظة السويداء نموذجًا حقيقيًا لتشابك الأزمات الأمنية والسياسية والاجتماعية في سوريا، حيث لم تنجح الحكومة السورية في إرساء منظومة أمنية متينة تمنع تفاقم الأزمة، ولا في تنظيم إدارة محلية فعالة تحمي المنطقة من استغلال الأوضاع لصالح أطراف خارجية.
● ثغرات ساهمت في تدويل الأزمة
أدى الانفلات الأمني في السويداء، بعد أن تقاسمت السيطرة ميليشيات محلية متداخلة (درزية وبدوية إلى جانب أطراف ثالثة) إثر معارك وانتهاكات متبادلة وعنيفة، إلى إقصاء فعلي لأي رقابة حقيقية. وجاء ذلك وسط اتهامات تشير إلى تورط بعض العناصر التابعة للحكومة أو انحيازها، بالتوازي مع بروز تشكيلات ذات طابع قبلي أو مناطقي في مواجهة ميليشيات درزية مدعومة ومدرّبة.
وفي الوقت نفسه، تداولت وسائل إعلام محلية، إضافة إلى تصريحات رسمية، أن أفرادًا غير خاضعين للسلطة ارتدوا زيّ الأمن العام وشاركوا في المعارك، ما زاد المشهد الأمني تعقيدًا وعمّق حالة غياب التنسيق بين جميع الأطراف.
لكن، وقبل ذلك، أي قبل اندلاع المواجهات وتصاعد العنف، لولا تجاهل الحكومة الجزئي لمطالب المجتمع المحلي وحساسياته، لما توفرت البيئة الخصبة التي مهدت لتفجّر الأزمة.
● الدور الإسرائيلي في تعقيد المشهد
لا يمكن تجاهل العامل الخارجي الذي زاد الوضع توتراً، إذ كثّفت إسرائيل في الفترة الأخيرة عمليات القصف على مواقع في العاصمة دمشق ومحيطها، وأودت هذه الهجمات بحياة عناصر من الأجهزة الأمنية والعسكرية. هذا التصعيد لم يسهم فقط في إضعاف قدرة الدولة على بسط نفوذها، بل أعطى انطباعاً بأن الحكومة عاجزة عن حماية مؤسساتها وسيادتها، الأمر الذي يعزز مساعي بعض القوى الإقليمية والدولية لاستثمار الأزمة وتوسيع نطاق تدويلها.
● شأن داخل وتدويل مبطن:
يبدو أن الفشل الحكومي في احتواء الأزمة داخليًا أدى إلى ظهور البيان المشترك مع الأردن والولايات المتحدة، ليشكل تحوّلًا نوعيًا في طبيعة القضية، إذ انتقلت من شأن داخلي يخضع للسيادة الوطنية إلى ملف دولي مع إشراك جهات خارجية في التحقيقات والإدارة الأمنية.
هذا التطور يثير تساؤلات جوهرية حول قدرة الحكومة على إدارة أزماتها الوطنية، ومدى التزامها بالمعايير القانونية التي تحفظ حقوق المواطنين وتكفل سيادة القانون الوطني دون تدخل خارجي.
● حقوق السكان المحليين ورفض التدخل:
يجب التذكير بأن أي محاولة لحل الأزمات الداخلية لا يمكن أن تتجاهل الحقوق المشروعة للسكان في الأمن والعدالة والتنمية، لكن هذه الحقوق لا تتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية أو فتح الباب أمام وصاية دولية مبطنة.
إن إشراك جهات خارجية في ملفات أمنية أو جنائية، وإن كان تحت عنوان التعاون، يشكل في الواقع خرقًا لمبدأ استقلال القضاء ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للحكومة، ويهدد الوحدة الوطنية ويضعف الثقة بين المواطن والحكومة.
● ضرورة مراجعة السياسات الأمنية:
يستدعي الوضع الراهن من الحكومة مراجعة شاملة لسياساتها الأمنية والإدارية في المحافظات الحساسة، وضمان ضبط التشكيلات المحلية بحيث تلتزم بالحكومة، مع تبني آليات شفافة للمحاسبة، بما يحمي حقوق السكان في الأمن والاستقرار.
● في العود على البدء:
فشلت الحكومة في استعادة زمام المبادرة الوطنية في إدارة ملفاتها الداخلية، ما أدى إلى صدور بيان ثلاثي يعكس تدويلًا مبطنًا ينطوي على مخاطر جسيمة تستهدف سيادة الوطن وحقوق مواطنيه، إذ لا يمكن لأي معاناة محلية أن تبرر التفريط في استقلال القرار الوطني.
أحمد سليمان
● صادر عن نشطاء الرأي
الرابط https://opl-now.org/2025/08/13/opl-22/
المزيد من المواضيع
الحاكمية الظرفية والاختلاف الجمهوري
قبل أول انتخابات بعد سقوط الأسد: لجنة التحقيق الدولية تبدأ عملها وسط ترقب لتغيير حكومي محتمل
على أمل اتفاق سلام وشيك في غزة/ اتفاق 21 نقطة لإنهاء الحرب وبداية طريق السلام