عند الحديث عن اللامركزية الإدارية، يجب التأكيد أولاً على أنّ أي مشروع للإصلاح السياسي أو الإداري لن ينجح ما لم يتم ضبط السلاح المتفلت ووضعه بالكامل تحت سلطة الدولة، مع حلّ جميع الكتل أو المجموعات المسلحة والمليشيات التي تعمل خارج إطار القانون، بما يضمن حماية المدنيين وحقوقهم الأساسية. فلا يمكن الحديث عن إدارة محلية حقيقية أو توزيع عادل للصلاحيات في ظل وجود قوى الأمر الواقع أو هيمنة السلاح.
وبحسب التعريف القانوني الدولي، تعني اللامركزية الإدارية نقل بعض الصلاحيات الإدارية – وليس السيادية – إلى هيئات محلية منتخبة، مع بقاء الدولة المركزية مسؤولة عن السياسات العليا كالجيش والدفاع والعلاقات الخارجية والأمن الوطني. ويجب أن تُمارس هذه السلطات المحلية ضمن إطار الشفافية والمساءلة، مع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع المواطنين، وضمان عدم وجود أي فرز مناطقي أو شعبوي أو طائفي داخل مؤسسات الدولة، خصوصاً الجيش والأجهزة الأمنية والمراكز السيادية.
وفي هذا السياق، يجب تذكير الجميع بأن الحكومة القائمة في المرحلة الانتقالية ليست نهائية، ولا يجوز التصرف كما لو كانت مؤسّسة دائمة. وفق القوانين الدستورية والممارسات الدولية، تُعدّ الحكومات الانتقالية كيانات مؤقتة تُنشأ لإدارة شؤون الدولة خلال فترة محددة، ريثما يتم إجراء انتخابات حرة ونزيهة أو إقرار دستور جديد. وأي ترتيبات أو قرارات يجب أن تراعي انتهاء دور هذه الحكومة بعد الفترة المحددة، بما يضمن احترام إرادة الشعب وسيادة الدولة، وحق المواطنين في المراقبة والمساءلة والمشاركة في صنع القرار.
وقبل الدخول في أي ترتيبات إدارية أو مناقشة صلاحيات المحافظات والمجالس المحلية، يجب أن تكون هناك مرجعية سياسية واحدة واضحة، تتمثل في برلمان وطني منتخب يمثل جميع السوريين عبر اقتراع حر ونزيه، ويضمن مشاركة كل المكوّنات بلا استثناء أو تمييز، مع حماية الحقوق السياسية والمدنية للجميع.
إنّ ما نحتاجه اليوم هو إنهاء احتكار القرار السياسي، ورفض أي محاولة لتزييف الأهداف الوطنية أو الالتفاف على قيم العدالة المجتمعية، سواء تحت شعارات ديمقراطية مزيفة أو لافتات دينية أو طائفية ضيقة. فالوطن لا يبنى بالهيمنة أو التقسيم المقنّع، بل بالشراكة الكاملة بين أبنائه، وباحترام الدستور والقانون، وتكافؤ الفرص في إدارة الموارد واتخاذ القرار.
اللامركزية الإدارية يمكن أن تكون أداة قوة ووحدة إذا ارتبطت بسيادة الدولة والشرعية الشعبية، لكنها تتحول إلى تهديد خطير إذا استُخدمت غطاءً لتفتيت البلاد أو فرض سلطات أمر واقع. ومن هنا، فإن الانطلاق من برلمان جامع، ونزع السلاح خارج الدولة، وتفكيك الكتل والمجموعات والمليشيات المسلحة، وضمان حيادية مؤسسات الدولة، ومراقبة عمل الحكومة الانتقالية قانونياً وحقوقياً، هو السبيل الوحيد لتأسيس نظام سياسي عادل ومتوازن يعبّر عن إرادة السوريين جميعاً.
المزيد من المواضيع
الحاكمية الظرفية والاختلاف الجمهوري
قبل أول انتخابات بعد سقوط الأسد: لجنة التحقيق الدولية تبدأ عملها وسط ترقب لتغيير حكومي محتمل
على أمل اتفاق سلام وشيك في غزة/ اتفاق 21 نقطة لإنهاء الحرب وبداية طريق السلام