6 أكتوبر, 2025

سوريا : ضرورة إبرام “اتفاقية أخلاقية” في فضاء النشر المفتوح وكذلك إمعان النظر في طبيعة السُلطة

وسط ضجيج الشائعات وتدفق الأخبار غير المؤكدة، يبدو أن المشهد السوري بحاجة إلى وقفة جماعية. لم يعد مقبولًا أن تتحول شبكات التواصل إلى منابر تُصنَع فيها الحقائق على عجل. تصريحات تُنشر وكأنها أخبار مؤكدة، بلا مصدر ولا تحقق، فتؤجج الخوف والانقسام بدل أن تفتح طريقًا للحل.

قد يكون الوقت مناسبًا لأن يتفق أصحاب التأثير على قاعدة بسيطة: “ما لم يكن هناك مصدر موثوق… لا يُعاد نشره.”

الجهود السياسية والدبلوماسية الحالية، محلية ودولية، تركز على تهدئة الأوضاع، حماية المكونات السورية، وتهيئة مسارات لوقف إطلاق النار بعيدًا عن أي مشاريع تمس وحدة الأرض السورية أو تنتقص من السيادة الوطنية.

وحدة سوريا: ثابت وطني قبل أن يكون خطابًا رسميًا

رغم الضغوط، لا توجد أي وثيقة رسمية تتبنى مشروع “اللامركزية الشاملة” في جميع المحافظات. هناك خطوات إدارية محدودة لتوسيع الصلاحيات المحلية في قطاعات خدمية وتعليمية، لكنها لا تمثل تغييرًا في شكل الدولة أو تخليًا عن مركزيتها.

نعم، هناك أصوات – غير رسمية – تطالب بلامركزية أوسع، لكنها تبقى في إطار النقاش السياسي، لا الالتزامات الفعلية على الأرض.

اتفاق فك الاشتباك لعام 1974: إطار لم يسقط بعد:

فيما يتعلق بالجولان والحدود مع إسرائيل، لا تزال اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 سارية تحت رقابة قوة الأمم المتحدة (UNDOF)، وقد جدد مجلس الأمن مهامها في يونيو 2025. هذا الاتفاق يبقى الإطار الوحيد المتفق عليه دوليًا لضبط الحدود، ولا يتضمن أي “ضمان أميركي” كما يروّج البعض.

أما من يتحدث عن دور بديل أو قوة مشابهة لـ”اليونيفيل” اللبنانية، فذلك لا يشكل حاليًا جزءًا من المشهد السوري-الإسرائيلي.

حماية الحدود مع الأردن ولبنان والعراق تبقى أولوية وطنية، ولا أحد يريد لسوريا أن تصبح ساحة مفتوحة للاستقطاب الإقليمي.

حراك السويداء: بين الإدارة الذاتية المؤقتة… وخطاب التحريض

تشهد السويداء نشاطًا مدنيًا يسعى إلى إدارة محلية لسد فراغ سياسي واجتماعي، لكن الإعلام يبالغ أحيانًا في تصويره كمقدمة لتقسيم البلاد.

الحقيقة أن غالبية السوريين – في السويداء وخارجها – يرفضون أي مشروع انفصالي أو خطوة تمس وحدة الأرض. حتى من يرفعون شعارات الاستقلال يعلمون أنها غير واقعية، وغير مقبولة قانونيًا أو وطنيًا.

الأجدى اليوم هو فتح ممر سياسي وإنساني آمن بين السويداء ودمشق، لإعادة الثقة وتخفيف الاحتقان بدل تضخيم المخاوف.

التزام الدولة ومسؤولية الأجهزة الأمنية:

من الضروري أن تلتزم مؤسسات الحكومة السورية، وبخاصة العاملين في المجال الأمني، بمسؤوليتها الوطنية في حماية المواطنين والحفاظ على الأمن العام، مع ضرورة عزل أي عناصر تثير الفوضى أو تستفز مشاعر المواطنين، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في أي مخالفة بهذا الخصوص.

النضال المدني والسياسي:

مهما كان حجم الانقسام أو شدة الخلاف مع الحكومة، ومهما تعددت الأخطاء والانتهاكات التي يدينها السوريون والمجتمع الدولي، يبقى الحل الوطني الحقيقي رهين النضال المدني والسياسي.

أليس الوقت مناسبًا لنقل النقاش السوري من صخب الشارع إلى طاولة حوار حقيقية؟ إن إعلام الانقسام ومسرح التصعيد باتا يلتهمان الخطاب الوطني، تاركين الوطن عالقًا بين الطموح والدعاية.

مدنية الدولة والتشاركية.. ضد التقسيم:

على الحكومة الانتقالية أن تعيد النظر في سياساتها وأدوات إدارتها لشؤون البلاد، وأن تُغلّب المفهوم الوطني الجامع على أي مقاربات محلية أو أيديولوجية ضيقة. وإن تعميم التجربة الإدارية في إدلب على كامل الجغرافيا السورية لم يعد ممكنًا ولا مقبولًا، إذ إن هذا النموذج قد يكون كان مناسبًا لمرحلة لها خصوصيتها أثناء القتال ضد الطغمة الأسدية وفرض برنامج حكم مؤقت آنذاك، لكنه اليوم لم يعد صالحًا لإعادة فرضه على مجتمعات سورية لم تُستشر ولم توافق على طبيعته أو على هوية الدولة المستقبلية.

إن الإصرار على هذا النهج يهدد وحدة المجتمع السوري، ويكرّس الانقسام الطائفي والمناطقي، بل ويعرض الحكم الانتقالي نفسه لخطر الفوضى وفقدان الشرعية. المطلوب هو ترسيخ مبادئ مدنية الدولة والتشاركية الحقيقية بين جميع المكونات، بما يضمن إدارة عادلة وشفافة ويؤسس لحل وطني شامل لا يقصي أحدًا.

إشارات أساسية:

1. لا مؤشرات على مشروع تقسيمي رسمي في الوقت الراهن.

2. اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 ما زال الإطار الدولي لضبط الحدود.

3. مطالب اللامركزية الإدارية موجودة لكنها ليست التزامًا وطنيًا أو رسميًا.

4. الفوضى الإعلامية خطر حقيقي، والحل في “اتفاقية أخلاقية” بين الناشطين.

5. الحل الوطني يكمن في ترسيخ الحوار المدني وتعزيز العمل السياسي لا في خطابات التحريض.

فصل الختام:

إنّ إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع تبدأ بالاعتراف بمسؤولية الأجهزة الأمنية عن الفساد وانتهاك القانون، وبضرورة تفكيك شبكات الاستبداد التي عطّلت مؤسسات الدولة وأفقدتها هيبتها. فلا دولة قوية بلا مؤسسات خاضعة للمساءلة، ولا وطن موحد إذا شعر أي مكوّن أنه مُستهدف أو مهمّش.

كذلك، فإنّ الحل في سوريا لن يولد من مكاتب أجهزة الاستخبارات أو غرف المساومات الإقليمية، بل من مشروع وطني مدني يشارك فيه الجميع بلا إقصاء. مشروع يضمن المساواة في المواطنة، ويؤسس لنظام حكم تشاركي يوزّع السلطة بدل أن يحتكرها.

في النهاية، الحكومات تتغير والسياسيون يرحلون، أما الوطن فيبقى. ومن أراد الدفاع عن وحدة سوريا فعليه أن يدافع أولًا عن كرامة السوريين.

أحمد سليمان
صادر عن نشطاء الرأي

● اتفاقية أخلاقية للنشر في الفضاء المفتوح
الرابط: https://opl-now.org/2025/08/20/opl-24/ ‎

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب