6 أكتوبر, 2025

سوريا بين نفوذ الخارج وانغلاق الداخل: قراءة في حوار الشرع والتحولات الداخلية

العدالة أولًا… من خطاب الأزمة إلى بناء الدولة المدنية :

في ظل تعقيدات المشهد السوري، حيث تتقاطع مصالح الخارج مع انسدادات الداخل، تبرز الحاجة إلى تفكيك الخطاب الرسمي ومساءلة أدواته. إن أي محاولة لفهم المرحلة الانتقالية لا تكتمل دون مراجعة نقدية لما يُقال باسم الدولة، وما يُمارس باسم الشعب.

في حوار بثّته “الإخبارية السورية”، عرض الرئيس الانتقالي أحمد الشرع رؤيته للعلاقات الخارجية والسياسة الداخلية، في لحظة تشهد تشابكًا إقليميًا متزايدًا وتداخل مصالح القوى الكبرى. تصريحات الشرع الأخيرة تفتح الباب لتحليل ملامح المرحلة الانتقالية في سوريا، ورغم محاولاته الإيحاء بوجود تحولات سياسية كبرى، فإن ما جاء في أجوبته يعكس استمرار الأزمة في عمقها، بما تحمله من رهانات وتحديات، ويترك العديد من الغموض حول آليات التطبيق الفعلي للسلطة والإصلاح.

موسكو والانسحاب المحسوب:

الشرع يصرّ على إبقاء العلاقة مع موسكو في قلب السياسة السورية، لكنه يغفل حقيقة أن روسيا لم تتعامل مع سوريا يومًا كشريك متكافئ. الانسحابات والتفاهمات غير المعلنة دليل على أن الكرملين يحدد سقف الحركة وفق مصالحه، لا وفق احتياجات السوريين. أي مشروع وطني جاد لا يمكن أن يُبنى على ارتهان القرار لموسكو، ولا على وهم التحالفات التي تتبدل وفق خرائط الغاز والنفوذ.

أنقرة وتل أبيب:  

تركيا تواصل لعب دور مزدوج بين دعم بعض الفصائل والتنسيق مع موسكو، فيما تفرض إسرائيل معادلاتها العسكرية عبر غارات متكررة. الشرع يتجنب مواجهة هذا الواقع بجدية، مكتفيًا بتوصيفات عامة، بينما المطلوب خطاب وطني واضح يحدد خطوطًا حمراء للسيادة السورية، ويعيد تعريف العلاقة مع الخارج على أساس المصالح الوطنية لا التبعية.

سلطة الرئيس والإعلان الدستوري

يقول الشرع إن زمن القرار المنفرد للرئيس انتهى. نظريًا، هذه خطوة جيدة، طالما طالبنا بها قبل الإعلان الدستوري الشكلي وقبل تشكيل الحكومة الموالية. لكن لم يستمع أحد إلى خطورة ما جرى طيلة تسعة شهور من أخطاء وكوارث أدخلت البلاد في مأزق، وجعلت القيادة برمتها موضع مساءلة. واقع الحال أن الفصائل والشيوخ والميليشيات ما زالت تمسك بمفاصل القرار. لذلك، فإن الإعلان الدستوري المرتقب لن يكون ذا قيمة إن لم يفتح الباب لمشاركة جميع السوريين بلا استثناء، بعيدًا عن الإقصاء والمحاصصة، وبما يعيد بناء الشرعية على أسس ديمقراطية ومدنية.

إعادة تدوير النفوذ القديم

الحديث عن تشكيل حكومة جديدة لن يكون مقنعًا إذا بقيت الفصائل والشيوخ ممسكين بالسياسة والأمن والاقتصاد والحياة اليومية للناس. أي حكومة ستبقى مجرد واجهة. الإصلاح الحقيقي يبدأ بفك قبضة هذه القوى، وإعادة القرار إلى مؤسسات مدنية منتخبة، لا إلى جماعات مسلحة أو مرجعيات تقليدية.

غياب خطة الإصلاحات والجدول الزمني

حديث الشرع عن إصلاح القضاء والتعليم والاقتصاد بقي فضفاضًا، بلا آليات ولا مهل زمنية ولا مشاركة للمجتمع المدني أو القطاع الخاص. الإصلاحات الحقيقية لا تُقاس بالشعارات، بل بمدى إشراك الناس في القرار، وإعادة بناء المؤسسات على أسس من الشفافية والمساءلة، لا على منابر إعلامية متعبة.

التقسيم: خطاب مزدوج يكرّس الغموض

رفض التقسيم مبدأ وطني جامع، لا نقاش فيه. لكن الشرع في الوقت نفسه يتحدث عن تفاهمات مع “قسد”. ما نوع هذه التفاهمات؟ هذا الغموض لا يبني ثقة، بل يفاقم الشكوك. المطلوب هو حوار وطني صريح مع جميع المكونات، على قاعدة الحقوق المتساوية في دولة مدنية، لا عبر صفقات جزئية تخدم السلطة وتعيد إنتاج الانقسام.

السويداء: الاختبار الأخطر

بالرغم من وصف الشرع بعض الأحداث بـ”خلافات محلية”، فإن حجم الانتهاكات الفظيعة في مناطق مثل السويداء والساحل أكبر بكثير مما يشير إليه الخطاب الرسمي. المحاسبة تبدو غامضة وغالبًا رمزية، رغم حديثه عن العمل على المحاسبة. ما يضع مصداقية المرحلة الانتقالية في اختبار حقيقي: هل ستتم مساءلة فعلية للمتورطين، أم ستظل الانتهاكات مطوية تحت عنوان خلافات محلية؟

الإعلام الرسمي: أداة مأزومة 

حتى الحوار نفسه عكس ضعف المنظومة الإعلامية: صوت منخفض، أداء مرتبك، غياب المهنية. هذه ليست مجرد أخطاء تقنية، بل انعكاس لفشل مؤسساتي، حيث يُختزل الإعلام في الترويج للسلطة بدل أن يكون منصة للنقاش الحر، أو مرآة تعكس نبض المجتمع.

حاجة ملحّة إلى مشروع بديل

حوار الشرع، رغم كل ما حمله من وعود، لم يقدّم رؤية متكاملة. سوريا لا تحتاج إلى إعادة تدوير السلطة ولا إلى شعارات، بل إلى مشروع تحرري يعيد للشعب حقه في المشاركة والقرار، ويضمن العدالة والمساءلة، ويكسر الارتهان للخارج. المرحلة الانتقالية ليست ملكًا لرئيس أو فصيل أو حليف خارجي، بل هي فرصة للسوريين جميعًا لبناء دولة القانون والمؤسسات، دولة لا تُدار من الخارج، ولا تُختزل في تحالفات ظرفية، بل تُبنى من الداخل، على يد شعبها، وبإرادته الحرة.

أحمد سليمان 

صادر عن نشطاء الرأي

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب