بعد كلمة في مؤتمر دولي… اعتقلوا الرئيس
لم تكن عقارب الساعة قد تجاوزت الخامسة فجراً، حين تحوّلت إحدى ردهات الفنادق المخصصة للوفود السياسية إلى ثكنة أمنية مغلقة. أُطفئت الأضواء، أُغلقت المصاعد، وبقي مصعد الصيانة وحده في الخدمة. في دقائق معدودة، اقتيد رجل كان قبل ساعات فقط واقفًا على منصة مؤتمر دولي، يخاطب دبلوماسيين ورؤساء دول. فإذا به، وقد أصبح محاطًا برجال أمن مدججين بالسلاح، يُساق بصمت نحو مصير مجهول.
المفاجأة لم تكن في المشهد وحده، بل في هوية الرجل: رئيس دولة زائر، لم يُكشف اسمه رسميًا بعد. هذا الحدث لا يخص أحمدي نجاد، المدان باختطاف طائرة أمريكية قبل أكثر من أربعة عقود، ولا فلاديمير بوتين، ولا أي رئيس معروف. اسم الرئيس يبقى لغزًا، لكن ما هو مؤكد أن اعتقاله فتح أخطر سؤال سياسي وقانوني: هل يمكن لدولة عظمى أن تحتجز رئيسًا زائرًا على أراضيها بموجب دعاوى مدنية؟
أسباب الاعتقال:
المفاجأة لم تكن في التوقيت فقط، بل في الأسباب. تشير تسريبات قضائية إلى أن الاعتقال جاء نتيجة دعاوى رفعتها منظمات حقوقية وأهالي مفقودين، يتهمون الرئيس المعتقل بمعرفة خيوط حساسة عن حالات اختفاء ارتبطت بوقائع دامية قبل سنوات. القضية لا تخضع لمحكمة جنائية دولية، بل جاءت استنادًا إلى قوانين دولة عظمى تتيح للضحايا رفع دعاوى مباشرة ضد مسؤولين أجانب.
الانفجار الإعلامي:
وسائل الإعلام التقطت الحدث بسرعة. قنوات كبرى وصفت العملية بأنها “استدراج سياسي”، إذ دخل الرئيس بدعوة رسمية وبحماية بروتوكولية، ليجد نفسه فجأة في مواجهة قرار قضائي. الحكومات الغربية انقسمت: بعض العواصم اعتبرت الخطوة سابقة تهدد العلاقات الدبلوماسية، فيما دافعت منظمات حقوقية عن الحدث بوصفه “انتصارًا نادرًا للضحايا على منطق الحصانة”.
الوثائق المسرّبة:
بعد ساعات فقط، انتشرت على منصات إعلامية وثائق مسرّبة يُعتقد أنها مذكرة من مكتب قضائي، موقعة بتاريخ اليوم السابق للعملية. المذكرة تذكر بالحرف: “المطلوب إحضار الشخصية (م.ع) إلى جلسة استماع مغلقة، للاشتباه بامتلاكه معلومات تتعلق بمصير عشرات المفقودين، من بينهم ثلاثة يحملون جنسية دولة غربية.”
كما تداولت وسائل الإعلام تسجيلاً صوتيًا من جلسة مغلقة، يسمع فيه صوت قاضٍ يقول: “نحن لا نحاكم دولة، بل نبحث عن حقائق تخص ضحايا على أرضنا.”
مظاهرات وتنديد دولي:
خارج الفندق، خرجت مظاهرات متناقضة. البعض هتف: “لا حصانة للمجرمين”، فيما اتهم آخرون الدولة العظمى بـ”خيانة البروتوكول”. دول غربية سارعت للإدانة ووصفت العملية بأنها “فخ سياسي”، بينما التزمت قوى أخرى الصمت بانتظار اتضاح المشهد.
انقلاب داخلي مباغت:
في بلده الأصلي، ظهر نائب الرئيس على التلفاز معلنًا حالة الطوارئ وتعيين نفسه قائدًا مؤقتًا. لكن المفاجأة لم تتأخر: في اليوم التالي، اقتحمت قوات أمنية مقر القناة الرسمية، وبُث بيان على الهواء مباشرة يعلن تشكيل هيئة حكم انتقالي لمدة أربعين يومًا، وفتح المجال أمام انتخابات رئاسية طارئة.
تداعيات مفتوحة :
- في الداخل: السلطة أصبحت ممزقة بين “القائد المؤقت” و”الهيئة الانتقالية”.
- في الخارج: دول منافسة تستغل الأزمة لتوسيع نفوذها.
- في الإعلام: الخبر تحوّل إلى زلزال، والمشهد بات أقرب إلى حرب باردة جديدة.
تسييس القضاء:
في ظل هذا المشهد، يبرز سؤال آخر لا يقل خطورة: هل بات القضاء المدني أداة بيد القوى الكبرى لإعادة تشكيل الأنظمة؟ فبينما يُفترض أن يكون القانون ملاذًا للعدالة، فإن استخدامه في توقيت سياسي حساس يثير الشكوك حول دوافعه الحقيقية. هل نحن أمام عدالة انتقائية، أم بداية عصر جديد تُستخدم فيه المحاكم كمنصات لتصفية الحسابات الدولية؟
الملهاة القاتلة:
المشهد هنا يوحي بأن القانون لا يعمل في فراغ؛ فعندما يُستخدم في سياق سياسي، يفقد جزءًا من حياده. ما حدث في هذا السيناريو يطرح تحديًا كبيرًا أمام المنظمات الدولية: كيف نحمي الضحايا من دون أن نحوّل العدالة إلى ملهاة تتعدد فيها الأيادي والوجوه؟
سوابق قضائية مشابهة:
رغم ندرة الحوادث، إلا أن التاريخ الدولي سجل أمثلة على ملاحقة مسؤولين بعد مغادرتهم بلدانهم. بعضهم كان يحمل صفات قيادية عادلة، رغم تورطهم في ملفات حساسة:
- في لندن عام 1998، تم توقيف الرئيس التشيلي السابق أوغستو بينوشيه بناءً على طلب القضاء الإسباني، بسبب تورطه في عمليات التعذيب والقتل السياسي خلال فترة حكمه.
- في فرنسا وبلجيكا، واجه مسؤولون عسكريون ورؤساء سابقون من رواندا دعاوى قضائية تتعلق بالإبادة الجماعية عام 1994.
- الأرجنتين شهدت محاكمات لمسؤولين عسكريين وسياسيين متهمين بارتكاب انتهاكات واسعة خلال “الحرب القذرة” في السبعينيات والثمانينيات، حيث أُعيدت الملاحقة بعد مرور سنوات طويلة على الأحداث.
ما يميز هذه الحالة الجديدة أن الدولة العظمى نفسها هي من دعته وكرّمته لإلقاء كلمته وأفكاره، ليواجه في اليوم التالي مصير اعتقال مفاجئ.
بكلمة أخيرة:
في عالم تتداخل فيه السيادة مع المساءلة، وتُصبح الدعوة الرسمية بداية لانهيار نظام، يبقى السؤال مفتوحًا: هل نحن أمام عصر تُكتب فيه قواعد الدبلوماسية لا بالحبر، بل بالرصاص القانوني؟
إشارة تحريرية:
هذا التحقيق سيناريو افتراضي، يشير إلى أن العدالة الدولية عرجاء. وهو محاولة لاستكشاف تداخل القانون والسياسة والإعلام في لحظات الأزمة، دون أن يعكس واقعة مؤكدة على الأرض.
أحمد سليمان
صادر عن نشطاء الرأي
المزيد من المواضيع
الحاكمية الظرفية والاختلاف الجمهوري
قبل أول انتخابات بعد سقوط الأسد: لجنة التحقيق الدولية تبدأ عملها وسط ترقب لتغيير حكومي محتمل
على أمل اتفاق سلام وشيك في غزة/ اتفاق 21 نقطة لإنهاء الحرب وبداية طريق السلام