تشهد محافظة السويداء منعطفًا خطيرًا بعد إعلان وزارة الخارجية السورية، بدعم إقليمي ودولي، عن “خارطة طريق” تهدف إلى تثبيت وقف إطلاق النار ومعالجة جذور الأزمة. في المقابل، جاء رد “اللجنة القانونية العليا في السويداء” بلغة متشنجة، رافضًا أي صيغة للمصالحة، وملوّحًا بحق تقرير المصير والانفصال.
هذا التباين يطرح تساؤلات جوهرية: هل يعكس البيان الرافض إرادة جميع أبناء السويداء، أم أنه يمثل موقفًا محدودًا؟ وهل يقود خطاب الرفض إلى حماية المجتمع أم إلى عزله وإفقاده أي أفق سياسي؟
محاولة لفتح مسار تفاوضي:
رغم الملاحظات العديدة على البيان الرسمي الصادر في 16 أيلول 2025، فإنه يُعد خطوة مهمة تسعى إلى الإنصاف وملاحقة جميع المتورطين في الأحداث.
لم يقتصر البيان على تأكيد وقف إطلاق النار، بل تضمّن إجراءات عملية، منها تشكيل مجالس محلية، إنشاء قوة شرطية من أبناء المنطقة، والتعاون مع لجنة التحقيق الدولية.
ورغم ما يمكن توجيهه من انتقادات، فإن هذه الخطة تمثل منصة أولية للحوار، تفتح المجال لتوسيع المشاركة المحلية والإقليمية في معالجة الأزمة، بدلًا من إغلاق الأبواب أمام أي تفاهم محتمل.
البيان الرافض: لغة حادة وخيارات قصوى
في المقابل، وصف بيان اللجنة المصالحة بأنها “مسرحية قضائية”، واعتبر القانون السوري “واجهة لتبييض الجرائم”، وصولًا إلى طرح خيار الانفصال كبديل أخير.
هذا الخطاب، بحسب مراقبين محليين، لا يعكس تقاليد السويداء القائمة على الحكمة والتشاور، بل يعبّر عن موقف متصلّب يرفض أي مساحة للنقاش أو الحلول الوسط.
غياب التشاور المجتمعي:
السؤال الذي يفرض نفسه: هل استُشير وجهاء العشائر، رجال الدين، الشباب، والنساء قبل إصدار البيان؟
الواقع أن كثيرين فوجئوا به، ما يشير إلى أنه لم ينبثق عن حوار مجتمعي واسع، بل عن موقف سياسي محدود. غياب التمثيل الحقيقي يجعل البيان عامل انقسام داخلي، لا أداة لحماية الحقوق.
تناقضات في البيان الرافض:
1. ازدواجية العدالة
رفض القانون السوري دون تقديم بديل عملي لتنفيذ العدالة الدولية، التي تتطلب تنسيقًا مع الدولة، يضعف الموقف الحقوقي.
2. انتقائية الاتهام
تصوير الحكومة كخصم وحيد، وتجاهل مسؤوليات بقية الأطراف، يخلق صورة غير متوازنة للعدالة.
3. التصعيد بدل التهدئة
في وقت يتطلع فيه الأهالي إلى الأمن والخدمات، يُطرح خيار الانفصال، وهو الأكثر خطورة والأبعد عن التوافق.
أثر الخطاب على الرأي العام:
محليًا:
عبّر كثيرون عن خشيتهم من أن يؤدي الخطاب المتشدد إلى عزلة خطيرة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية.
إقليميًا:
حذّرت أطراف من أن الدعوة إلى تقرير المصير قد تُستغل لتمرير مشاريع تقسيمية لا تخدم أبناء السويداء.
دوليًا:
من الصعب أن يتبنى المجتمع الدولي مثل هذه المواقف ما لم تصدر عن عملية تمثيلية واسعة تعكس إرادة مجتمعية حقيقية.
مطلب الانفصال كشعار:
رغم جاذبيته لدى البعض كخيار احتجاجي، فإن الانفصال يواجه عقبات كبرى:
– غياب الاعتراف الدولي: لا يُعترف بانفصال مناطق عبر بيانات لجان محلية دون مسار تفاوضي طويل.
– الواقع الاقتصادي: السويداء تعاني من نقص حاد في الموارد، والانفصال سيضاعف أزماتها.
– المخاطر الأمنية: فرض استقلال ذاتي دون توافق وطني قد يفتح الباب لصراعات مسلحة.
دروس من التجربة السورية:
المواقف المتطرفة، غالبًا ما تُغلق الأبواب بدل أن تفتحها.
السويداء، بتاريخها الوطني، تستحق مسارًا يضمن العدالة والكرامة، لا أن تُحشر في زاوية الانفصال أو الإقصاء.
الحاجة إلى رؤية أوسع:
البديل المنطقي هو تطوير خارطة الطريق لتشمل:
– ضمانات حقوقية واضحة
– آليات محاسبة مستقلة
– إشراك فعلي لوجهاء المجتمع المدني
هذا النهج لا يعني التسليم بطرح الحكومة، بل تحويل الاتفاق إلى منصة ضغط إيجابية تضمن الحقوق وتفتح الباب أمام دور دولي جاد في الرقابة والمحاسبة.
السويداء أمام مفترق خطير:
بين خارطة طريق تحاول فتح مسار واقعي وبيان رافض يرفع شعارات قصوى، يقف أبناء السويداء أمام مفترق طرق مصيري.
البيان الصادر عن اللجنة القانونية العليا قدّم نفسه كصوت أهالي المحافظة، لكنه لم يوضح إن كان قد استند إلى تشاور شامل. غياب هذا التشاور يجعله أقرب إلى إعلان منفرد يهدد وحدة الصف.
وفي وقت يحتاج فيه السوريون جميعًا إلى دولة مواطنة عادلة تُحاسب الفاسدين والمنتهكين للحقوق، فإن إغلاق الأبواب أمام أي حوار يعرّض السويداء لمخاطر أكبر.
المستقبل لن يُبنى على الانعزال أو الشعارات القصوى، بل على المشاركة، العدالة، والمساءلة.
أحمد سليمان
- صادر عن نشطاء الرأي
المزيد من المواضيع
هل المستشار الألماني ميرتس من جذور سورية؟ عن صورة المدينة، والخوف من الآخر
اتحاد الكتاب العرب وإشكالية تحديثه في إطار العدالة الانتقالية
لا شرعية لنشيد يُفرض خارج إرادة السوريين: النشيد الوطني يُقرّ عبر استفتاء شعبي