21 أكتوبر, 2025

ابتسامة المُكر الأمريكي والثمن السوري… رفع العقوبات كهدنة مشروط

لست ميالًا للتفاؤل إزاء ما يُظهره دونالد ترامب في لقاءاته مع الرؤساء. فمن عادته أن يبدأ بالتصريحات الودية المعلنة، ثم لا يلبث أن يعقد اتفاقًا اقتصاديًا أو سياسيًا يربك العالم بمواقفه المتقلبة، وأحيانًا المهينة. المثال الأوضح كان في فبراير 2025، حين استقبل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي. اللقاء العلني جاء بطابع استفزازي ومشحون؛ بدا ترامب وهو يوبّخ ضيفه ويقاطع حديثه، في مشهد غير مسبوق بين رؤساء دول. لكن ما تلا ذلك كان الأهم: بعد عودة زيلينسكي إلى كييف، جرى تسريع المفاوضات حول اتفاقية اقتصادية مع واشنطن، انتهت بمصادقة البرلمان الأوكراني على اتفاق يتيح شراكة في استثمار الموارد الطبيعية، بعد أن تراجعت الولايات المتحدة عن بعض المطالب القاسية التي كانت تقتطع نصف العائدات. هكذا تحوّل المشهد المهين إلى مقدمة لصفقة كبرى، توصف اليوم بأنها “شراكة استراتيجية”، وإن كانت ولادتها من رحم الضغط والإكراه العلني.

● الاحتمال السوري: وراء الابتسامات

هذا ما يخشاه السوريون من تكرار سيناريو مشابه في لقاء ترامب مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع. بطبيعة الحال، تختلف الأمكنة والظروف: فأوكرانيا ليست على حدود إسرائيل، وزيلينسكي القادم من عالم الفن ليس كدينامية الشرع الخارج من خلفية المحارب السابق والسياسي الحالي. لكن، ورغم أن اللقاء الأخير بدا ودودًا تخللته الابتسامات، إلا أن التجارب السابقة تدفع إلى الاعتقاد بأن ما وراء ذلك قد يتجاوز المجاملات إلى تفاهمات باهظة الثمن.

● الجولان والرسائل الأممية:

الوقائع واضحة على الأرض: قبل سقوط الأسد وفي فترة الرئاسة الأولى لترامب، أعلن ضم الجولان إلى إسرائيل. أما اليوم، فمع تصريحات الشرع في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ80، محذرًا من “محاولات إسرائيل المساس بالأمن السوري… مما يعرض المنطقة لدوامة صراعات جديدة لا يعلم أحد أين تنتهي”، بدا الموقف متصلبًا. الشرع شدد على ضرورة انسحاب إسرائيل إلى ما قبل ديسمبر 2024.

● مفاوضات أمنية بلا انسحاب:

بالمقابل، تتصاعد التصريحات الإسرائيلية المتكررة عن إحراز تقدم في الاتفاقات الأمنية، من دون أي إشارة إلى انسحاب أو سلام نهائي. وفي هذا السياق، جاء تصريح من مكتب نتنياهو يؤكد أن “المفاوضات مع سوريا مستمرة”، لكنه شدد على أن نتائجها مرهونة بـ“ضمان مصالح إسرائيل”، بما يشمل نزع السلاح في جنوب غربي سوريا وضمان أمن وسلامة الطائفة الدرزية، بحسب ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت.
مصادر مطلعة على المحادثات تشير إلى أن دمشق تسرّع، تحت ضغط أمريكي، وتيرة المفاوضات مع إسرائيل حول اتفاقية أمنية تأمل أن تُعيد بموجبها بعض الأراضي التي استولت عليها إسرائيل مؤخرًا.

● رفع العقوبات: مبادرة أم فخ جديد؟

وفي خضم هذه التطورات، أعلن ترامب اليوم أنه رفع العقوبات عن سوريا “لمنحها فرصة لالتقاط الأنفاس”، مضيفًا أن إعلانًا مهمًا سيصدر لاحقًا بشأنها. ورغم أن الخطوة قُدمت بواجهة إنسانية وبُنيت على طلبات سعودية وتركية وقطرية، إلا أن المخاوف قائمة من أن تكون مقدمة لصفقة ذات أثمان سياسية واقتصادية.
الأهم أن هذا القرار لا يعني إلغاء العقوبات كافة، إذ إن جزءًا منها – مثل “قانون قيصر” – ما زال قائمًا ولا يمكن رفعه إلا بموافقة الكونغرس. ما يفتح الباب لقراءة أكثر حذرًا: واشنطن تبدو وكأنها تمنح السوريين متنفسًا، لكنها في الواقع تترك السقف الأعلى للعقوبات قائمًا، ما يجعل أي تفاوض مع دمشق خاضعًا دومًا لورقة ضغط جاهزة للاستخدام.

أحمد سليمان

صادر عن نشطاء الرأي

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب