(تعطيل دور الأمم المتحدة يفتح الطريق لغطرسة إسرائيلية وتضارب إقليمي)
في وقتٍ سابق، حذّرنا من أن تعطيل دور الأمم المتحدة في الملف السوري لن يؤدي إلا إلى تفرد الولايات المتحدة بالقرار، بعيداً عن أي مساءلة دولية. يومها قوبل كلامنا بالتشكيك والاتهامات السلبية، لا بهدف مناقشة الموقف، بل لتشويهه، من دون إدراك لانعكاسات المشهد السياسي على المستوى الوطني.
أما اليوم، فقد تبيّن بما لا يدع مجالاً للشك صواب ما قلناه بالأمس. ومن اعترض آنذاك، لعلّه يقتنع الآن بأن ما تقوم به إسرائيل من تجاوزات ومحاولات فرض إملاءات على سوريا ليس سوى نتيجة مباشرة لتعطيل دور الأمم المتحدة، وتحويل أدوات الضغط الدولي إلى يد واشنطن وحدها.
هذا الواقع لا يُظهر فقط انحيازاً أمريكياً، بل يكشف عن خلل بنيوي في آليات التفاوض الأمني، حيث تتحول سوريا إلى ساحة مفتوحة للتدخلات، وتُدار المفاوضات كأوراق ضغط لا تعبّر عن تطلعات السوريين، بل عن مصالح القوى الكبرى.
أسباب تعثر المفاوضات الأمنية:
- الولايات المتحدة: مدير إيقاع لا وسيط نزيه
واشنطن لا تتحرك كوسيط، بل كمنسّق للتصعيد أو التهدئة، وفق مصالحها الاستراتيجية الأوسع في المنطقة.
- إسرائيل: تجاوزات بلا رادع
الاعتداءات المتكررة على الأراضي السورية تُمرّر بلا اعتراض دولي جاد، ما ينسف أي مسار تفاوضي ويضعف مصداقيته.
- الأمم المتحدة: غياب الفاعلية
شلل مجلس الأمن وتهميش الشرعية الدولية حوّلا الملف السوري إلى ساحة مفتوحة للتجاذبات الثنائية والإقليمية.
- القوى الإقليمية: مشاريع متضاربة
لكل من تركيا وإيران وإسرائيل أجندة مختلفة داخل سوريا، ما يجعل أي اتفاق أمني هشّاً أمام أول تعارض في المصالح.
- سوريا كورقة مساومة
يُستخدم الملف السوري للابتزاز في قضايا إقليمية كبرى، من النووي الإيراني إلى توازنات شرق المتوسط، وحتى صراع النفوذ بين واشنطن وموسكو وبكين.
- غياب الضمانات الملزمة
المفاوضات الأمنية تفتقر إلى قواعد واضحة وآليات تنفيذ، وتقوم على تفاهمات هشة تنهار عند أول اختبار ميداني.
السوريون في قلب العاصفة:
ما يجري ليس مجرد تعثر تفاوضي، بل تعمّق لسياسة تحويل سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات. وبينما تُدار المفاوضات الأمنية وفق مصالح اللاعبين الدوليين، يبقى الشعب السوري في مواجهة نتائجها: نزيف اقتصادي، غياب للأمن، وتهديدات إقليمية مستمرة.
غياب موقف دولي حازم يعيد الاعتبار للقانون الدولي، يجعل أي مفاوضات عرضة للانهيار، ويُبقي السوريين الحلقة الأضعف في لعبة تُدار فوق رؤوسهم.
الأمن والسياسة: حلقة مفرغة
لا يمكن فصل تعثر المسار الأمني عن مستقبل الحل السياسي. فالأمن هو القاعدة الصلبة لأي تفاوض حول شكل الدولة أو مستقبل الحكم. من يتحكم بالأمن، يملك أوراق السياسة.
القوى الدولية، وعلى رأسها واشنطن، تستخدم الملف الأمني كأداة ضغط لفرض رؤى سياسية لاحقاً. أما إسرائيل، فتستثمر التجاذبات الأمنية لتكريس واقع جديد على الأرض، يجعل أي نقاش سياسي مستقبلي محكوماً بمعادلات القوة لا بشرعية القانون.
تضارب الأجندات بين إيران وتركيا وروسيا، وغياب موقف عربي موحّد، يجعل المسار السياسي رهينة لهذه التوازنات الأمنية المتغيرة. فكيف تنجح جولات تفاوض تحت رعاية الأمم المتحدة بينما الميدان مفتوح أمام التدخلات العسكرية بلا رادع؟
النتيجة: تعثر أمني يقود إلى انسداد سياسي، وانسداد سياسي يبرر استمرار الفوضى الأمنية. وما لم يتوفر توافق دولي على أولوية الأمن كمدخل للحل، ستظل العملية السياسية مؤجلة، ويبقى السوريون بين مطرقة التدخلات وسندان غياب الإرادة الوطنية الجامعة.
خلاصة سياسية-أخلاقية:
لا أمن ولا سياسة في سوريا دون استعادة القرار الوطني المستقل. المفاوضات باتت أوراق ضغط تُدار من الخارج، لا تعكس تطلعات السوريين. وحده الشعب السوري يملك حق إنهاء دوامة المساومات، وإلا ستبقى البلاد ساحة مفتوحة للغطرسة الدولية والإقليمية، ويظل الأمن والسياسة رهينتين بيد الآخرين، بينما يتأجل حق السوريين في العدالة والسلام إلى إشعار آخر.
أحمد سليمان
صادر عن نشطاء الرأي
المزيد من المواضيع
هل المستشار الألماني ميرتس من جذور سورية؟ عن صورة المدينة، والخوف من الآخر
اتحاد الكتاب العرب وإشكالية تحديثه في إطار العدالة الانتقالية
لا شرعية لنشيد يُفرض خارج إرادة السوريين: النشيد الوطني يُقرّ عبر استفتاء شعبي