26 أكتوبر, 2025

الحاكمية الظرفية والاختلاف الجمهوري

يتكرر في بعض النقاشات سؤالٌ استفتائي: أيّ النظامين أصلح لسوريا، الجمهوري أم الملكي؟ بل إن بعض الأصوات تذهب إلى الجزم بأن النظام الجمهوري قد فشل، وتلمّح إلى أن الملكية قد تكون الخيار الأفضل.

هذا الطرح، في جوهره، ينطلق من فرضية غير مستقيمة، لأنه يتجاهل السياق السوري الراهن، حيث لا توجد سلطة سياسية تمارس الحكم وفق نموذج جمهوري مؤسسي، ولا ملكية دستورية واضحة المعالم. ما نشهده هو سلطة انتقالية تتخبط في إدارة المناطق، وتبدو أقرب إلى «تمرينات على العمل السياسي» منها إلى ممارسة حقيقية للحكم.

يقود هذه التمرينات أفراد من بيئات تعبويّة متشددة، منقسمة فيما بينها: تيار سلفي متطرف، يقابله تيار أقل تطرفاً، نشأ نتيجة انقسامه عن فكر سلطوي جارح في عام 2012. وقد تجسدت هاتان الحالتان في تجربتين ميدانيّتين: الأولى اتخذت من الرقة عاصمةً لخلافتها التسلطية، والثانية استقرّت في إدلب، معلنةً نوعاً من المرونة المشروطة، تتقلب ممارساتها السلطوية بين حين وآخر.

  • أما النظام السوري في الحقبة الأسدية، الذي يصنّفه بعض أنصار الملكية على أنه نظام جمهوري، فهو في الواقع حكمٌ عائليٌّ وراثي، لا يمتّ بصلةٍ إلى مبادئ الجمهورية أو قوانينها. سقوطه لم يكن بسبب طبيعته الجمهورية، بل لأنه لم يكن جمهورياً أصلاً، بل مارس أعلى درجات الفاشية، وانتهت صلاحية أوراق اعتماده لدى القوى الدولية التي كانت تدعمه.

في المقابل، فإن الملكية التي يُلمّح إليها البعض ليست خياراً سورياً نابعاً من إرادة وطنية، بل امتدادٌ لفصائليةٍ مشبعة بذهنية سلطوية، تستلهم نموذجاً تركياً يقوم على الولاء لعقلية دينية تُقدِّم الإسلام واجهةً سياسية، وتراهن على إجماعٍ مستقبليٍّ لهذا النمط من الحكم. هذا النموذج غالباً ما يكون أكثر تشدداً، ولا يتيح حقَّ الاعتراض أو حرية التجمع أو تشكيل الأحزاب السياسية.

خلال الأشهر التسعة الماضية من عمر السلطة الانتقالية، يتضح أن ما يُمارَس لا يشبه إدارة مؤسسات دولة، بل أقرب إلى محاكاة سياسية مستنسخة من تجربة إدلبية ظرفية، تفتقر إلى المرجعية الدستورية أو التوافق الوطني.

أحمد سليمان

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب