21 أكتوبر, 2025

لا شرعية لنشيد يُفرض خارج إرادة السوريين: النشيد الوطني يُقرّ عبر استفتاء شعبي

النشيد الوطني ليس مجرّد كلماتٍ وألحانٍ، بل هو وثيقةٌ سياديةٌ تعبّر عن هوية الدولة ووجدان شعبها، وتوازي في رمزيتها العلم والدستور. وبحكم هذه الطبيعة، لا يُكتب النشيد في الخفاء، ولا يُفرض بقراراتٍ إدارية أو عبر شخصياتٍ محددة، بل يُولد من التوافق الشعبي الجامع، ويُقرّ عبر استفتاءٍ عام بوصف الشعب مصدرَ السلطات جميعاً.

ما يجري اليوم من محاولاتٍ لفرض نشيدٍ جديدٍ من قبل أفراد أو جهات غير منتخبة، داخل وزارة الثقافة أو عبر مؤسساتٍ محددة، يُعدّ انتهاكاً لمبدأ السيادة الشعبية، وتجاوزاً لحقّ السوريين في المشاركة بتحديد رموزهم الوطنية. فالنشيد لا يُكتب وفق أهواء السلطة، ولا يُعتمد على مقاس جهةٍ سياسيةٍ أو فكريةٍ واحدة، بل يجب أن يكون رمزاً جامعاً يعكس تعددية المجتمع السوري الثقافية والدينية والقومية، ويعبّر عن جميع السوريين دون استثناء.

من الوجهة القانونية، لا تملك أيّ جهةٍ حكوميةٍ غير منتخبة صلاحيةَ اعتماد أو إعلان نشيدٍ وطنيٍّ باسم الدولة. فهذه صلاحيةٌ دستوريةٌ عليا لا تُمارس إلا بموجب قانونٍ صادرٍ عن سلطةٍ شرعيةٍ منتخبة، أو باستفتاءٍ شعبيٍّ يمنح النصَّ شرعيته واستمراريته عبر القبول الشعبي الطوعي. وأيّ إجراءٍ يخالف هذه الأصول يُعدّ باطلاً من حيث الشكل والمضمون، ويفتقر إلى المشروعية الدستورية والسياسية.

كما أن فرض نشيدٍ وطنيٍّ دون مشاركةٍ شعبيةٍ حقيقية يُعدّ احتكاراً لصوت الأمة، ومخالفةً لمبدأ المساواة بين المواطنين المنصوص عليه في المواثيق الدولية، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يكرّس حقّ الشعوب في تقرير مصيرها وهويتها الرمزية.

وبناءً عليه، فإن المسار الوطني الصحيح يتطلّب:

  1. تجميد جميع الإجراءات الحالية المتصلة باعتماد أو نشر أيّ نشيدٍ وطنيٍّ جديد، إلى حين التوافق على آليةٍ ديمقراطيةٍ واضحة تضمن مشاركةً حقيقيةً لجميع السوريين.
  2. إطلاق حوارٍ وطنيٍّ شامل تشارك فيه النقابات، واتحادات الكتّاب والموسيقيين، والمؤرخون، وممثلو المجتمع المدني، لصياغة نصٍّ ولحنٍ يعكسان روح الثورة والتنوّع الوطني.
  3. إجراء استفتاءٍ شعبيٍّ عام بعد إقرار المشروع من قبل هيئةٍ دستوريةٍ انتقالية تمثّل جميع السوريين، ليكون النشيد تعبيراً شرعياً عن إرادة الأمة، لا عن إرادة السلطة.

إنّ احترام رموز الدولة لا يتحقّق بفرضها، بل بقبولها الحرّ من الشعب. والنشيد الوطني ليس نشيدَ حكومةٍ أو حزبٍ أو فصيلٍ أو ميليشيا، بل صوتُ وطنٍ جريحٍ يسعى إلى استعادة كرامته وسيادته. إنّه قصيدةُ الإجماع السوري التي تنطق باسم الحرية.

أحمد سليمان

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب