12 نوفمبر, 2025

جلسة مغلقة بين الشرع وترامب: انسحاب إسرائيلي، تنمية مشروطة، ومكافحة الإرهاب

بين الغموض الإعلامي والرسائل السياسية المبطّنة، جاء اجتماع الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب ليشكّل محطة غير عادية في مسار الملف السوري.
لقاءٌ مغلقٌ حمل إشارات أمنية في الشكل، وملامح خريطة جديدة في المضمون، من خطوط الجولان إلى مستقبل قسد، مرورًا بالعقوبات والتنمية والملف اللبناني.
منذ لحظة دخول الرئيس الشرع من الباب الخلفي إلى القاعة التي جمعته بالرئيس الأميركي، بدا أن الاجتماع لا يخضع للبروتوكولات المعتادة.
اللقطة التي أثارت سجالًا واسعًا في وسائل الإعلام لم تكن بلا دلالة؛ فهي توحي بأن للاجتماع خلفيات أمنية تتجاوز الشكليات الدبلوماسية، وربما تعكس طبيعة المرحلة الدقيقة التي تمر بها سوريا والمنطقة.
لكن ما يهم فعلاً ليس الممرّ الذي دخل منه الشرع، بل ما دار في الجلسة المغلقة، حيث طُرحت قضايا يمكن أن تغيّر شكل المشهد السوري لعقود قادمة.

الجلسة المغلقة بين الشرع وترامب تفتح الباب لتفاهمات إقليمية تشمل الانسحاب الإسرائيلي والتنمية المرتبطة بالأمان الداخلي.

انسحاب إسرائيلي:
من أبرز البنود التي أثارت نقاشًا واسعًا، الحديث عن انسحاب إسرائيلي محتمل إلى خطوط فكّ الاشتباك لعام 1974.
خطوة كهذه، إن تأكدت، ستكون سابقة لم تحدث منذ نصف قرن. ووفق التسريبات، سيُقابل هذا الانسحاب بإنشاء منطقة منزوعة السلاح تحت إشراف قوة مراقبة من دولة ثالثة.
لكن السؤال الذي يطرحه المراقبون: لماذا لا تُسند المهمة مجددًا إلى قوات حفظ السلام الأممية (الأندوف)؟
التقدير المرجّح أن واشنطن تسعى إلى هندسة منظومة أمنية أكثر مرونة، تتجاوز بطء الآليات الأممية، وتعتمد على ترتيبات محدودة تتقاطع فيها مصالحها مع تل أبيب وبعض العواصم العربية.

العقوبات والمرحلة الانتقالية:
في الجلسة نفسها، تم التوصّل إلى تفاهم بشأن تجميد ما تبقّى من عقوبات “قيصر”، بعد زوال كثير من مسبباتها المرتبطة بانتهاكات النظام السابق الذي كان سببًا مباشرًا في فرض تلك العقوبات.
وتراهن المقاربة الأميركية الجديدة على تخفيف الضغط الاقتصادي لتهيئة بيئة انتقالية أكثر استقرارًا، مقابل التزامات واضحة من إدارة الشرع في ملفات الأمن والسيادة والمؤسسات.
وأكدت واشنطن في بيان أن هذا التخفيف يأتي في إطار منح سوريا “فرصة النهوض من جديد” لإعادة البناء والازدهار، مع ضمان محاسبة الجهات الضارة.

المكونات السورية وضمانات الحماية:
أما الملف الثالث، فكان ضمان حماية المكونات السورية، وهو من أكثر الملفات تعقيدًا وتشابكًا.
الإدارة الأميركية لا تزال تصف تلك المكونات بـ«الأقليات»، لكنّ النقاش اليوم يتجه نحو تجاوز هذه اللغة القديمة وبناء مفهوم المواطنة المتساوية.
مصادر مطّلعة تحدّثت عن مقترح لتثبيت وجود قسد ضمن هيكلية الأمن الوطني الجديدة، مع إعادة تنظيمها ودمجها تدريجيًا في الجيش السوري القادم، بما يراعي التوافق الوطني ويضمن وحدة المؤسسة العسكرية.
الصيغة التي ستكون اختبارًا حقيقيًا لعلاقة دمشق الجديدة بكلٍّ من أنقرة وواشنطن، اللتين تتباينان في رؤية مستقبل الجزيرة السورية.

سوريا وجوارها: لبنان نموذجًا
لم يغب الوضع اللبناني عن النقاش.
الشرع، في أكثر من مناسبة، شدّد على أن «سوريا الجديدة ستكون دولة بلا خصوم، تحترم جيرانها ولا تتدخل في شؤونهم».
وهو ما يُفهم منه رغبة في طيّ صفحة التدخلات الإقليمية التي ميّزت الحقبة السابقة، وفتح المجال لشراكات اقتصادية وأمنية قائمة على الندية.
غير أن هذا الالتزام سيُختبر عمليًا في الملفات العالقة مع بيروت: الحدود، الطاقة، واللاجئون السوريون.

مكافحة الإرهاب والتنمية:
من بين العناوين التي طُرحت في المداولات الأخيرة، برز التركيز على مشاريع إعادة الإعمار والتنمية المتوازنة بوصفها خطوة أولى في المدن المحرّرة والمناطق الحدودية.
وهو ما يوحي بأنّ بعض تلك المناطق ما تزال موضع نقاش بشأن طبيعة إدارتها وتركيبتها الإدارية والأمنية، بل وحتى حول أولوياتها الاجتماعية والتنموية.
وبحسب التسريبات، فإنّ المقترحات الأميركية تربط تقديم الدعم الدولي بمدى قدرة الحكومة الانتقالية على بسط الأمن ومكافحة الإرهاب والتطرّف، إلى جانب ملاحقة شبكات التهريب والفساد التي تقوّض سلطة الدولة وتستنزف مواردها.
وتبدو هذه المقاربة محاولة لصياغة معادلة توازن بين السلم الأهلي والتنمية الاقتصادية، باعتبارهما الركيزتين الأساسيتين لأي استقرار سياسي واجتماعي مستقبلي في البلاد.

نحو خريطة جديدة للنفوذ:
يمكن القول إن اجتماع الشرع وترامب لم يكن لقاءً عابرًا، بل محطة مفصلية لإعادة توزيع النفوذ في سوريا.
فالمشهد الدولي يشهد تحولات عميقة، مع تراجع الدور الروسي، ومحاولات إيران تثبيت مكاسبها الميدانية، مقابل عودة واشنطن عبر بوابة “الشرعية الانتقالية”.
اللقاء كشف بوضوح أن النظام السابق لم يعد لاعبًا في المعادلة، وأن مستقبل سوريا يُرسم الآن بمنطق المصالح الواقعية، لا الشعارات ولا الخطابات الأيديولوجية.
كان دخول الشرع من الباب الخلفي مجرّد إجراء أمني، لكنه يرمز إلى خروج سوريا من الماضي، ودخولها من مدخل جديد إلى مرحلة قد تكون أكثر أمنًا، ولكن أيضًا أكثر اختبارًا للنيات والقدرات السياسية والمؤسسية.

صادر عن نشطاء الرأي
الرابط الملف: https://opl-now.org/2025/11/12/sleiman-53/

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب