تتناقل الأوساط الإعلامية تصريحات منسوبة إلى مسؤول ميليشيا قسد، مظلوم عبدي، يقول فيها إن “تجاهل الحكومة السورية لجواز سفره يؤكد وجود نوايا للضغط السياسي”. ورغم ما في هذا الكلام من محاولة تحويل إجراء إداري إلى مظلومية سياسية، إلا أنه يتجاهل جوهر الإشكالية: كيف يمكن لقائد تشكيل مسلّح يفرض سلطة أمر واقع على أجزاء واسعة من الجزيرة السورية، ويرفض أي اتفاق وطني لا يلائم شروطه، أن يطالب في الوقت ذاته بحقوق مدنية من الدولة التي ينخرط في إضعافها؟
كيف يستقيم أن يقدّم نفسه كضحية “ضغط سياسي”، فيما يمارس سلطة موازية، ويحرض المكوّنات المحلية على طلب حماية خارجية، ويدفع نحو تكريس كنتونات خارجة عن الإطار الوطني؟
ما يجري ليس خلافاً حول جواز سفر، بل صراع بين دولة تسعى لاستعادة سيادتها ومشروع مسلّح يحاول تثبيت شرعية بديلة خارج القانون.
من يرفض الدولة، ويحرض المكوّنات على الانفصال، هل يحق له أن يطالب بوثائقها؟
الجواز ليس مجرد ورقة سفر، بل اعتراف بالدولة وسيادتها. ومن يضع نفسه خارج هذا الإطار لا يمكنه أن يتعامل مع الدولة وكأنه مواطن عادي يخضع للقانون.
القانون السوري، يجرّم بوضوح:
– الدعوة إلى كيان سياسي خارج الدستور،
– إنشاء ميليشيا موازية للجيش الوطني،
– السيطرة على الجغرافيا والثروات بالقوة،
– فرض إدارة موازية أو سلطة أمر واقع،
– الانتقاص من السيادة والدفع نحو الانفصال.
وبالتالي فإن أي إجراء احترازي – مثل عدم منح جواز السفر أو تأخير تجديده – ليس استهدافاً شخصياً، بل ممارسة لحق الدولة في حماية وحدتها. الحقوق المدنية لا تُنتزع بالسلاح ضد الوطن، بل تُكتسب بالالتزام به.
الجزيرة السورية… ثروة مسروقة:
الأخطر من التصريحات هو الواقع القائم: النفط، القمح، الغاز، المعابر، والمياه تحت سيطرة ميليشيا غير شرعية. هذه ليست إدارة محلية، بل احتكار اقتصادي–عسكري يقطع شريان الدولة.
الجزيرة كانت لعقود الركيزة الاقتصادية لسوريا، واليوم تُدار مواردها خارج الخزينة العامة، بعيداً عن أي مضمون وطني. إنها إعاقة مباشرة لمسار بناء الدولة، في وقت يحلم فيه السوريون بدولة عادلة تنهض من الانهيار.
اقتصاد بلا سيادة:
لا يمكن ترميم الاقتصاد بينما تُحتكر أهم موارده. ولا يمكن الادعاء بشراكة في مستقبل سوريا فيما تُمنع مؤسسات الدولة من الوصول إلى ثرواتها وأهلها.
بناء دولة حقيقية يتطلب:
– إدارة وطنية للثروات،
– سلطة واحدة لا سلطات موازية،
– دستور جامع يشارك فيه جميع السوريين بلا ميليشيات ولا كنتونات.
أي مشروع يقسّم الجغرافيا أو يضعها تحت إدارة خارجية يطعن فكرة الدولة من جذورها.
الشرعية ليست ورقة سفر:
الجواز ليس مجرد ورقة سفر، بل هو اعتراف بالدولة وانتماء قانوني إليها. ووفقًا للقانون، فإن من يرفض الدولة ويعمل ضد مؤسساتها لا يحق له المطالبة بوثائقها. أما الحديث عن “ضغط سياسي”، فليس سوى ستار يخفي حقيقة أوضح: فالحقوق لا تُكتسب بمخاصمة الوطن، بل بالالتزام به والولاء له.
أحمد سليمان

المزيد من المواضيع
قاسيون واختبار العدالة المكانية في دمشق
عام على السقوط… ولا تزال الإعدامات الأسدية قائمة: من يعطّل قرار الإلغاء؟
الجولان ليس بورصة لأسواق ترامب… والأمم المتحدة مطالَبة بحماية الشرعية الدولية