20 ديسمبر, 2025

من المسؤول عن سرقة مركز الوثائق التاريخية في قصر العظم بدمشق؟

تشكل واقعة سرقة مركز الوثائق التاريخية التابع للمديرية العامة للآثار والمتاحف في دمشق انتهاكاً خطيراً للحق الجماعي للشعب السوري في صون تراثه الثقافي وحماية ذاكرته التاريخية، كما تمثل إخلالاً فادحاً بالالتزامات القانونية الوطنية والدولية المتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية في أوقات النزاع وعدم الاستقرار.

الوقائع والصفة القانونية :

وفقاً لما أورده الكاتب والباحث محمد السلوم، تعرّض المركز مساء يوم الثلاثاء الماضي لعملية سرقة طالت معدات إلكترونية وحواسيب وأقراص تخزين رقمية تحتوي على مواد أرشيفية ووثائق تاريخية بالغة الحساسية. ويقع المركز في قصر العظم بدمشق، وهو موقع مصنّف ضمن الأبنية التاريخية المحمية، ويُعدّ من المنشآت الثقافية الخاضعة لأحكام الحماية القانونية الخاصة المنصوص عليها في التشريعات الوطنية ذات الصلة.

ويضم المركز آلاف سجلات المحاكم العثمانية ذات الطبيعة القضائية والتجارية، إضافة إلى أرشيفات خاصة من المراسلات والوثائق الرسمية التي توثّق مراحل مفصلية من تاريخ سوريا السياسي والقانوني والإداري. وتُصنّف نسبة كبيرة من هذه الوثائق على أنها فريدة وغير قابلة للاستبدال، ما يمنحها صفة الممتلكات الثقافية المحمية قانوناً.

●الآثار القانونية والحقوقية للانتهاك:

إن الاستيلاء غير المشروع على هذه المواد، أو العبث بها أو تهريبها، يُعدّ – بحسب المعايير القانونية الدولية – اعتداءً مباشراً على التراث الثقافي، وقد يرقى إلى جريمة ثقافية تستوجب المساءلة الجنائية، لاسيما إذا ثبت وجود نية لطمس الهوية التاريخية أو نقل الممتلكات الثقافية خارج الإقليم الوطني.

وفي هذا السياق، أشار الباحث حسن عبد الله الخلف إلى مخاوف جدّية من وجود محاولات منظّمة لنقل وثائق مرتبطة بفترات الاحتلال إلى خارج البلاد، وتحديداً إلى أنقرة والقسطنطينية، الأمر الذي -إن ثبت- يُشكّل انتهاكاً صريحاً لمبدأ عدم جواز نقل الممتلكات الثقافية من الأراضي الواقعة تحت النزاع، ومخالفة جسيمة للاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

كما لفت إلى معلومات مقلقة حول وضع المكتبة الوقفية في حلب، بما يفرض على الجهات المختصة التزاماً قانونياً عاجلاً باتخاذ تدابير الحماية الوقائية، وفتح تحقيقات مستقلة وشفافة.

●السياق الأوسع للانتهاكات المتكررة:
وتكتسب هذه الواقعة خطورة إضافية في ضوء سوابق موثّقة، كان قد أشار إليها الكاتب محمد السلوم سابقاً، تتعلق بسرقة متحف دمشق واختفاء قطع أثرية بارزة، من بينها تمثال فينوس، ما يعزز الاشتباه بوجود نمط متكرر من الانتهاكات الممنهجة التي تستهدف المؤسسات الثقافية والمتاحف السورية.

 

●الالتزامات القانونية الواجبة:


إن حماية الوثائق التاريخية والممتلكات الثقافية ليست مسألة إدارية أو تقديرية، بل هي واجب قانوني يقع على عاتق السلطات المعنية، ويشمل:

ضرورة إجراء تحقيق قضائي مستقل:

1.استعادة المواد المنهوبة وملاحقة المسؤولين عنها؛
2.تفعيل آليات التوثيق الرقمي والحفظ الآمن؛
3.الامتثال للمعايير الدولية الخاصة بحماية التراث الثقافي.

إن أي تقاعس في التعامل مع هذه الجريمة لا يشكّل فقط إخلالاً بالمسؤولية القانونية، بل انتهاكاً لحق الأجيال الحالية والمستقبلية في الوصول إلى تاريخها وهويتها. وعليه، فإن هذه الواقعة تستوجب أقصى درجات الجدية والمساءلة، باعتبار أن الذاكرة الوطنية ليست ملكاً لسلطة أو جيل، بل حقاً جماعياً غير قابل للتصرف.

أحمد سليمان

الرابط الملف: https://opl-now.org/2025/12/18/sleiman-59/

 

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب