محمد يوسف جبارين : الحرية لكلمة الحرية : (( طل الملوحي ))
لم أكن أعرف هذا الاسم ، ” طل الملوحي ” ، حتى قرأت قصائدها .. كلماتها التي خطتها ، بوقد الشوق الى الحرية . بأصداء أمجاد التاريخ العربي في وعيها ، بروحها ودمها ، بفكرها ، بحسها ، بطلاقة هذا الحس في التعبير عن نفسها ، فمن هنا عرفت عمق حسها بعروبتها ، بهويتها ، بالمعنى العميق لانتمائها ، الهادر بها بكل رسم لها للصلات بين حروفها ، فتبيان صراحة التعبير عن نفسها ، وعرفت جملة فكرتها عن فلسطين وعن الوطن العربي ، وعن الواقع المرير ، وعن الحرية المنشودة التي هي بعينها جملة الخلاص لأمة العرب من هذا المر .. العلقم الذي تشربه ليلها ونهارها ، وهي كما كل من عانقتها الحرية ، وأسقتها وأروتها ، واستسقتها من املاءاتها في وعيها ، واستدعتها الى استجابات في كلمات حرة ، نهضوية تعبوية ، كفاحية ، تلامس غايات انسانية هي بذاتها حلم يراود الانسانية في خلاصها من ربقة الظلم والقهر ، ومن قيد الاستغلال والهوان ،
وهكذا عناق ( طل ) للحرية وعناق الحرية لها ، أرسى لها منطق تناول للواقع ، فتشكل لها القياس بالحرية وعلى الحرية ومن أجل الحرية ، فعرفت سبيلها منذ شبت تعانق فجر النهار ، ومن هنا استحالت تجري بفكره الحرية بكل صلة لها بالواقع وتغييره ، فلا للركود والتخلف ونعم للنمو والتقدم ، فهي تنموية تقدمية ، تريد لعجلات التطور أن تتدافع الى الأمام ، فهكذا انعتاق من واقع يرين على النفس بكل مر وعلقم ، الى ظروف أكثر جدلية في افرازاتها للنمو والتطور ، فالصيرورة ، أن تصير هذه الأمة الى ما تريد أن تصير اليه ، بارادتها ، فلا بد اذن من أن تمتلك الأمة ارادة الحرية وحرية الارادة ، فاذن سقوط القيود ضرورة تقدم وضرورة انعتاق ،وبعمق الحس بالظلم وبالحاجة الى التغيير يكون حسها أكثر رفضا للواقع المرير ،
فليس عجبا أن ينزل سخطها على الواقع من لحن كلامها صريحا وبكل ما يدل على كونها عربية أصيلة تواقة الى تقريب فجر عربي يحلم به كل عربي أصيل ، فكأني بها تحيا بكل كيانها العقلي والنفسي نص الحلم العربي بكل معانيه ، وهو حلم العروبة الذي لم تزل تتغنى به سوريا وتبرر به كل موقف لها من حركة الحوادث في عالمنا ، فهي اذن نشيد الحلم العربي ، وعروبته التي تبحث في الواقع عن مواطىء أقدامها ، انها تريد أن تخطو ، وترى الخطو ماجدا يعلو مجدا متجددا في جدية زحف نحو تحطيم العوائق ، من أجل ارساء القواعد لغد مشرق عزيز ، فتلك معاني الكلمات التي جرت بقلم هذه الوردة الحمصية الباسقة اليانعة التي فيما سعت اليه هو أن يعبق شذاها ، شذى الحرية ، في كل ركن من أركان الأمة العربية ، الجديرة بحكم ما هي ، بأن تتجدد بنهضة تمسح من أمامها كل عارض يحد من انبعاثها نحو المستقبل ، فبعطرها أرادت أن تنتعش النفوس الحرة ، وبزحف كلماتها أرادت أن تفضح النفوس الصدئة التي علق بها النكوص فارتكست فاستراحت للصدأ واستروحته فصدأت ، وبأثر وقع معانيها رغبت بأن تستنهض قوى دفينة ، كامنة تتحفز ، فلعلها تتواثب على أوكار الرجعية ، وتقيلها من دورها في تحنيط الوعي العربي ، بكل ما يقيله من دوره في اعلاء شأن الأمة ورفعتها ، فعلى ذلك فان فتاة الحرية من حمص ، لجديرة بأن تظل تأخذ دورها في التحريض من أجل الحرية ، وما اعتقالها الا اعتقالا للحرية ، وحجبا للأمل ، ورسالة بؤس يقدمها النظام السوري الى الأجيال الصاعدة ،
وهذا بعينه متناقض مع كل جملة النظام عن الحرية ، فمثل ( طل ) والأحرار كلهم هم السند الحقيقي للحرية ، وليس مقبولا أن يقال بأن ( طل ) بصوتها المنادي بالحرية تشكل خطرا على الحرية ، بل العكس هو الصحيح ، فالحرية تحتاج الأحرار ولا سير لها في الدنيا بلاهم ، فالحرية ل( طل ) ، اختنا في الكفاح من أجل الحرية ، واني كما قلت لم أكن أعرف ( طل ) من قبل ، وانما خبر عن اعتقالها جرني الى تساؤل عنها ، ورحت أفتش عن الاسم وصاحبته ، فاذا هي كلماتها أمامي في أكثر من موقع ، ومن هذه الكلمات عرفت أن أصوغ فكرة تدلني عليها ، فاذا هي منا ، بل هي بروح قولها ، بمعاني كلماتها ، بوهج السخط الحارق لكل تخلف في سردها ، انما هي أنا وأنت ، وكل ثائر في مطالع الوعي الهادر ، زحفا زحفا نحو طرد الاستعمار من ديار العرب ، صفا صفا من أجل نظام الحرية في بلاد العرب ، مقتا مقتا للرجعية التي تشرب من الاستبداد سر وجودها ، سخطا سخطا على الرجعية المتحالفة مع الاستعمار ، طردا طردا للتحلف ، اقالة اقالة للجهل من الكيان العربي برمته ، فهذا هو اللهب الذي اسمه ثائر ، ثائرة ، ثائرون ، ثائرات ، ثوار ثوار ،
فهو الحرية تتدفق من فتاة حمص ، طل الملوحي ، أواه يا حمص يا تاريخا ، يأبي الا أن يشدنا الى تفاصيله ، انها طل الحمصية ، وليصخ التاريخ السمع لكلمات طل ، اللهب الآتي من عمق التاريخ ، والصادح بكل اصرار على نوال الحرية برغم كل العقبات ، انها طل اشراقة حرية من جنبات حكايات لم تزل تروينا كرامة وشهامة ، انها طل فتاة في مطلع الشباب ، وتطاول أبلغ الآمال في الحرية ، وتغذيها من روحها ، فهي وهج ثورة شبابية تعيد لنا أيامنا الخوالي ، وتذكرنا بأننا من حيث هي انبعثنا وأخذنا دورنا ، ولو لم نفعل ما فعلته هي من تعبير عن حسنا بالحرية بكل قوة وبكل ايمان ، وبكل جرأة وصدق مع النفس ، لما كانت لنا البداية التي أوصلتنا الى ما نحن فيه ، من وعي بالقضية القومية برمتها ، فبدايات الأحرار كما الحرية ،
وليس مقبولا أن يقال بأن ثمة بداية لمطالع الحرية غير الحرية نفسها ، وحتى سيرة حافظ الأسد ، وسيرة ابنه بشار الأسد ، فبالاقتراب منها ، نجدها بنفس بدايات ( طل الملوحي ) ، ونجد أكثر من ذلك بأن ثمة مفاخرة من جانب بشار ووالده من قبل ببداية كهذه ، فلماذا المقارنة لا توجب احتراما لطل الملوحي ، واعلاء لشأنها ودورها ، لماذا يكون الاعتقال هو ما يقيدها ، فكيف يستوي لعقل أن يتعقل عقلية بهكذا لون ، فكل حر مطالب بأن يتساءل عن طل وأن يطالب بالحرية لها ، وانني كفلسطيني أشهد بأن ما قرأته ل ( طل ) يكفيني دليلا على حبها لنا ، وعلى حبها لأمة العرب ، وعلى حبها لفجر تتألق فيه هذه الأمة الجديرة بأن تستأنف دورها في قيادة التاريخ ، فالحرية ل ( طل ) انما هي دعوة من داخل حس بالانتماء الى أخت تنتمي الى الحرية ، فلا أقل من المناداة بالحرية لأختنا طل .
محمد يوسف جبارين
ام الفحم ..فلسطين