أحمد سليمانتقارير حقوقية

سوريا بين وحدة الدولة وتعدد الرؤى: لا وطن يُبنى على السلاح ولا يُختزل في فئة

الحوار والتعددية ركيزتان لا تتناقضان مع السيادة

بعد أكثر من عقد على نضال الشعب السوري، وبعد مقتل قرابة مليوني إنسان وتدمير البنية التحتية والمؤسسات الوطنية، لم يعد مقبولًا ترك النقاش مفتوحًا حول مشروعية أي كيان موازٍ أو مشروع انفصالي يحاول الهيمنة على جزء من الجسد السوري.

فكما لا يقبل أي إنسان وجود كتلة مريضة تهدد سلامة جسده، لا يمكن لأي وطني سوري حقيقي أن يقبل ببقاء تشكيلات مسلحة أو مشاريع ذات جذور استعمارية تنخر وحدة البلاد وتحاول تمزيقها.

إن سوريا المستقبل لا تُبنى على فوهات البنادق، بل على أسس الدولة المدنية الديمقراطية، التي تحترم مبدأ المواطنة، وتكفل العدالة والمساواة أمام القانون، وتنبذ كل أشكال التمييز، سواء كان طائفيًا، قوميًا، دينيًا، مناطقيًا، أو عشائريًا. و لا يمكن بناء هذه الدولة دون توحيد المؤسسات، وتطهيرها من الفساد وضعف الكفاءة، وإشراك أصحاب الخبرة. وإذا اهملت السلطة هذه الأسس، فإنها تفقد شرعيتها الوطنية.

● لا حوار تحت التهديد

الحوار الوطني ضرورة لا بد منها، لكنه يفقد معناه عندما يُطرح تحت تهديد السلاح أو بفرض الشروط المسبقة. السوريون، بكل أطيافهم، يدركون اليوم أن أي حوار حقيقي يجب أن يتم داخل البيت الوطني، لا عبر ممرات الاستقواء الأجنبي أو عبر تحالفات تُستعمل كأدوات ضغط لتحقيق مكاسب فئوية.

● الاختلاف الوطني ليس تهديدًا، بل ضرورة

من المشكلات البنيوية في الحياة السياسية السورية أن الرأي المخالف غالبًا ما يُتهم بالخيانة أو التآمر. هذه الثقافة الإقصائية لا تصنع دولة، بل تعمّق الشرخ والانقسام.

الاختلاف ضرورة وطنية لا تهمة، والنقد البنّاء ليس سعيًا لإسقاط الدولة بل محاولة لإنقاذها. لا سلطة، انتقالية كانت أم دائمة، تملك احتكار الوطنية أو مصادرة النقد.

ما نحتاجه اليوم هو تأسيس وعي تحرري تعددي يحتضن الخلافات، ويفتح الباب لعقد اجتماعي جديد، يعترف بشرعية التنوع السوري، ويرسّخ لحوار وطني صادق ومسؤول. لقد تعب السوريون من الشعارات ومن لغة الإقصاء. وحده الحوار المباشر القائم على الاحترام المتبادل، يمكن أن يعيد الاعتبار للإنسان السوري ويؤسس لوطن مدني يحتضن الجميع.

● عسكرة المجتمع طريق مسدود

الإبقاء على أي تشكيلات مسلحة خارج إطار الدولة لا يخدم إلا استمرار الفوضى. لا مكان في سوريا الموحدة لأي قوة عسكرية لا تخضع لقيادة جيش وطني موحّد. فالعسكرة الفئوية، مهما كانت شعاراتها، هي وصفة مضمونة لمزيد من الانقسام والاحتراب الأهلي.

● الهوية الوطنية لا تصنع بالبندقية

من يسوّقون لهويات بديلة أو مشاريع حكم مستقل، ينسفون جوهر الانتماء السوري الذي تشكل عبر قرن من التضحيات والتراكم التاريخي. الهوية الوطنية لا تُنتزع من الجغرافيا، ولا تُخلق من المظلومية، بل تتجسد في الانتماء لدولة واحدة، ودستور حديث يصوّت عليه الجميع، ومؤسسات جامعة.

● التذرّع بالأزمات لتبرير الانفصال

محاولات استثمار أزمات محلية مؤلمة، سواء في السويداء أو الساحل أو غيرها، لتبرير مشاريع انفصالية أو التشكيك في نوايا الدولة، لا تعدو أن تكون محاولة مكشوفة لخلق واقع موازٍ يخدم أجندات ضيقة. السوريون باتوا أكثر وعيًا بهذه المحاولات، ولم يعد بمقدور أحد أن يعبث بالوعي الجمعي أو يُفصّل أوطانًا على مقاس مجموعات مسلحة.

● الدولة مشروع للجميع

رغم التحديات، ما زالت هناك فرصة قائمة لإعادة بناء الدولة على أسس أكثر عدالة وشمولًا. الدولة السورية ليست في طور الانهيار، بل هي في مرحلة انتقالية بحاجة إلى إصلاحات عميقة، تضمن تمثيلًا حقيقيًا لكل أبنائها ضمن حكومة مدنية ديمقراطية تعبّر عن التنوع وتحفظ الوحدة في آن واحد.

● إصلاح حكومي يضمن التمثيل والتشاركية

إذا كانت سوريا المستقبل دولة مدنية ديمقراطية كما نتطلع، فإن شكل الحكومة وآلية تمثيل فئات الشعب داخلها ينبغي أن تعكس هذا التوجه بشكل فعلي، لا رمزي. لا يمكن بناء عقد اجتماعي جديد دون إعادة النظر في تركيبة السلطة التنفيذية، بحيث تتحول من توازنات ضيقة إلى تمثيل حقيقي يشمل مختلف المكونات.

ولن تكتمل هذه التشاركية من دون تمكين المرأة سياسيًا، لا كمجرد حضور رمزي، بل كصاحبة قرار في مفاصل الدولة. تمثيل المرأة ليس مكافأة، بل ضرورة سياسية وأخلاقية لمجتمع دفع النساء فيه ثمن الحرب والنزوح والسلم معًا.

الإصلاح لا يبدأ فقط من تفكيك السلاح، بل من صياغة سلطة مدنية جديدة تُبنى على الكفاءة، والتنوع، والتوازن بين الجنسين، والشفافية في التمثيل.

● لا بديل عن تفكيك مشاريع التفتيت

الطريق إلى السلام يمر عبر وحدة الأرض، ووحدة القرار، ووحدة السلاح. من يراهن على مشاريع التقسيم أو التمايز الفئوي يراهن على سراب، وسرعان ما سيتحطم أمام وعي السوريين الراسخ.

كل الكيانات الخارجة عن فكرة الدولة الواحدة، مهما تلطّت خلف شعارات دينية أو قومية أو حقوقية، تبقى مشاريع تفتيت دخيلة تهدد وحدة المجتمع والدولة معًا.

إن سوريا التي يستحقها أبناؤها لا تُبنى على العزل ولا على الحواجز، بل على العدالة والمواطنة والدستور، وعلى حوار وطني جامع، ينهي منطق السيطرة، ويفتح أفق المستقبل أمام الجميع دون استثناء.

أحمد سليمان
صادر عن نشطاء الرأي

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق