المكبّس في سجن صيدنايا: بين النفي الرسمي وقرائن الجريمة المنظم

( أرقام صادمة: العثور على 3000 سجين فقط من أصل 323 ألف مفقود… أين البقية؟ )
(قرائن تضع صيدنايا مجدداً في قلب اتهامات الإعدام الجماعي)
ما زالت قضية ما عُرف إعلامياً بـ”مكبّس الجثث” في سجن صيدنايا السوري تثير جدلاً واسعاً حتى اليوم. فمنذ ظهوره في صور ومشاهد مسرّبة عقب فتح السجن جزئياً في أواخر عام 2024، تحوّل الجهاز المعدني الضخم، الذي يشبه آلات الضغط الصناعية، إلى رمز محتمل لانتهاكات صادمة. وجاء ذلك خاصة مع إفادات تشير إلى وجود مصرف لتصريف الدماء أسفله وأحواض تحتوي على أحماض (أسيد) على مقربة منه. هذه القرائن دفعت كثيرين للتساؤل: هل كان الجهاز أداة عمل مدني، أم جزءاً من آلة قتل وإخفاء أدلة؟
روايات متباينة:
منظمات حقوقية وإعلامية دولية، بينها الجزيرة وسكاي نيوز وABC News، وصفت المكبّس بأنه عنصر في منظومة قتل جماعي داخل السجن، حيث يتم سحق الجثث بعد الإعدام لتسهيل التخلص منها. بعض الشهادات تحدّثت عن ممرات لتصريف السوائل وأحواض كيميائية مجاورة، ما يعزز فرضية استخدامه في إخفاء آثار القتل.
في المقابل، جمعيات معتقلين وبعض المعتقلين السابقين قدّموا رواية مغايرة، مؤكدين أن الجهاز كان ضمن ورشة صناعية داخل السجن، يُستخدم لأعمال النجارة أو ضغط الخشب، وأن ما أُثير حوله مبني على سوء تأويل للصور.
سجل النظام الأسدي لا يمكن تجاهله:
بصرف النظر عن الرواية الصحيحة، فإن وجود مثل هذه الأداة في بيئة كسجن صيدنايا، الموصوف من قبل منظمات حقوق الإنسان بـ”المسلخ البشري”، يثير الشكوك. فالنظام السوري يمتلك تاريخاً موثقاً في ارتكاب المجازر المنظمة والإعدامات الجماعية، إضافة إلى ممارسات ممنهجة ضد المدنيين، منها:
1. إلقاء البراميل المتفجرة من الطائرات على المدن والبلدات، مخلّفة آلاف القتلى.
2. الهجمات الكيماوية على الغوطة وخان شيخون وغيرها، التي أوقعت مئات الضحايا بالاختناق.
3. قصف النابالم الحارق على المناطق السكنية، ما أدى إلى حروق وتشوهات جماعية.
4. التعذيب حتى الموت داخل المعتقلات، بوسائل متعددة كالصعق الكهربائي والشبح والتجويع.
5. الاختفاء القسري واسع النطاق، إذ سبق أن أظهرت سجلات رسمية وشهادات حقوقية وجود نحو 323 ألف شخص مفقود في سجون ومعتقلات النظام. وعند فتح سجن صيدنايا مؤخراً، تبيّن وجود 3000 شخص فقط أحياء من أصل هذا الرقم الضخم، فيما يظل مصير مئات الآلاف الآخرين مجهولاً حتى اليوم.
هذا السجل يجعل أي محاولة لتبرئة النظام من احتمالية استخدام أدوات صناعية لأغراض قمعية أو لإخفاء الأدلة على القتل موضع شك كبير.
بين النفي والاحتمال:
إن غياب أي تحقيق دولي مستقل، أو وصول حر للمنظمات المحايدة إلى مرافق السجن، يترك الحقيقة رهينة السجالات الإعلامية والسياسية. لكن بالنظر إلى الشهادات التي تحدّثت عن دماء وأحماض قرب المكبّس، وإلى التاريخ الدموي الموثق للنظام، فإن فرضية أن يكون الجهاز قد استُخدم في سياق الإعدام أو التخلص من الجثث تظل قائمة وواقعية، حتى يثبت العكس بتحقيق شفاف ومحايد.
أحمد سليمان
المصدر: نشطاء الرأي