تأتي المبادرة الأمريكية الجديدة لمعالجة الوضع السوري في لحظة دقيقة وحساسة، حاملةً معها فرصة لإعادة ترتيب الأولويات ، لكنها تصطدم بعقبات سياسية وأمنية قد تعرقل تنفيذها. تفتح هذه المبادرة نافذة للحوار بين الأطراف السورية، وتؤكد أن تجاوز الأزمات الأمنية لا يمكن أن يتحقق دون إصلاح سياسي شامل يعالج جذور الاحتقان، ويؤسس لحكومة تشاركية تعترف بتنوع المكونات السورية، وتمنح المرأة دورًا محوريًا في صياغة المستقبل.
ورغم أن المبادرة ليست حلًا سحريًا، إلا أنها توفر إطارًا يمكن البناء عليه إذا ما توفرت الإرادة السورية للتفاعل الفوري والبنّاء.
أولًا: أهمية التفاعل الفوري
أجد من الضروري التعامل مع المقترح الأمريكي بجدية، إذ يمثل فرصة أولية لمعالجة الملف الأمني، ويجب عدم تجاهله أو تأجيله. وفي هذا السياق، تبرز مجموعة من الخطوات العاجلة:
- إطلاق حوار وطني شامل يضم جميع الأطراف السورية، بعيدًا عن عقلية الإقصاء أو الهيمنة الأحادية.
- إعلان إصلاح سياسي يعالج الأسباب العميقة للتوتر، لا الاكتفاء بإجراءات شكلية أو أمنية.
- توسيع الحكومة لتكون شاملة وغير محتكرة للسلطة أو الموارد، بما يعكس تنوع المجتمع السوري، ويشمل ذلك مراجعة الترتيبات الخاصة بمجلس الشعب لضمان تمثيل عادل.
- تمكين المرأة لتكون شريكًا حقيقيًا في القرار السياسي والإداري، لا مجرد حضور رمزي.
ثانيًا: البنود الوطنية لتطبيق الإصلاح السياسي والأمني
تمثل هذه البنود تصورًا عمليًا لمعالجة جذور الأزمة السورية، وتأسيس مرحلة جديدة من الاستقرار:
- إصدار إعلان إصلاح سياسي شامل يتضمن جدولًا زمنيًا لتحديث الإعلان الدستوري وضمان الحقوق السياسية لجميع السوريين.
- توزيع السلطة بشكل عادل وضع آليات تمنع احتكار القرار، وتضمن مشاركة كافة المكونات الاجتماعية والسياسية. ويشمل ذلك إنهاء سلطة الرقابة الدينية على مؤسسات الدولة، والحد من تدخلها في الحياة العامة، بما يكفل الحريات الفردية.
- تعزيز الأمن المجتمعي إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لتكون أداة لحماية المجتمع، لا لإعادة إنتاج الصراعات أو القمع.
- العدالة الانتقالية إطلاق مسار محاسبة شفاف يشمل جميع الانتهاكات، دون استثناء أو انتقائية.
- تمكين المرأة ضمان تمثيل حقيقي للنساء في مواقع صنع القرار، باعتباره عنصرًا أساسيًا في الاستقرار السياسي والاجتماعي.
البنود الأساسية للمقترح الأمريكي
تشير المبادرة الأمريكية الأخيرة إلى تشكيل تحالف دولي تحت اسم “أصدقاء سوريا” لدعم إعادة الإعمار، بشرط تقديم دمشق تنازلات داخلية تشمل:
- تشكيل حكومة شاملة.
- إصلاح الأجهزة الأمنية.
- كبح نفوذ الجماعات المسلحة الموالية.
- تعيين شخصيات تكنوقراط في المناصب القيادية بدلًا من القادة العسكريين السابقين.
كما تتضمن المبادرة:
- لقاءات بين المبعوث الأمريكي توم باراك ووزير الخارجية السوري في عمّان.
- تأسيس مجموعة عمل لضمان الهدوء والاستجابة للخطة الأمريكية في السويداء.
- الحد من هيمنة الأجهزة الأمنية وتوجيه صلاحياتها للدولة، مع تعيين خبراء وتقنيين بدلًا من قادة الميليشيات.
- الحفاظ على وحدة الدولة السورية ومعالجة استمرار العنف، لتجنب انعكاس الأزمة على مناطق أخرى مثل شرق البلاد ذات الأغلبية الكردية.
الخاتمة
رغم أن المبادرة الأمريكية مشروطة، إلا أنها تتيح فرصة حقيقية لوضع سوريا على مسار أكثر استقرارًا إذا ما جرى التفاعل معها بعقلانية وشجاعة. الكرة اليوم في ملعب السوريين: إما اغتنام الفرصة والبدء بإصلاح سياسي جذري، أو تركها تضيع كما ضاعت سابقاتها، لتتفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية من جديد.
الوقت لا ينتظر أحدًا. كل يوم يمر دون إصلاح سياسي يعمّق الانقسامات ويزيد الاحتقان. المبادرة الأمريكية ليست حلًا نهائيًا، لكنها تقدم فرصة لا يمكن تجاهلها لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وتشكيل حكومة شاملة تحترم التنوع وتكفل الحقوق. التفاعل الفوري والمثمر هو الخطوة الأولى لإنهاء سنوات الصراع، والانطلاق نحو إعادة بناء الدولة على أسس العدالة والمشاركة.
أحمد سليمان
● صادر عن نشطاء الرأي
المزيد من المواضيع
الحاكمية الظرفية والاختلاف الجمهوري
قبل أول انتخابات بعد سقوط الأسد: لجنة التحقيق الدولية تبدأ عملها وسط ترقب لتغيير حكومي محتمل
على أمل اتفاق سلام وشيك في غزة/ اتفاق 21 نقطة لإنهاء الحرب وبداية طريق السلام