الانفصال لا يُقرّره فرد أو تكتل، بل يُحسم بالدستور الوطني
قراءة في جذور الأزمة وخارطة الطريق نحو حكومة مدنية تشاركية

في سوريا، ليست كل الأصوات المتفرقة مرآة لإرادة الشعب. فالقضايا المصيرية، مثل وحدة الأرض ومصير الدولة، لا تُبت إلا عبر القانون والدستور، وليس عبر رفع شعارات الانفصال أو فرض وقائع ميدانية. في ظل أصوات متصاعدة في الشمال والجنوب والغرب، يبرز السؤال: من له حق تقرير مستقبل الدولة؟ الجواب واضح: الشعب السوري، ضمن إطار دستوري يحمي حقوق الجميع.
تظهر الأصوات المطالبة بالانفصال في بعض المناطق، وكأنها رد فعل طبيعي على الانهيار المؤسساتي، وانعدام الثقة، وتراكم المظالم. لكن هل الانفصال هو الحل؟ وهل يمكن لفصيل أو جماعة أن تحدد مصير وطن بأكمله؟ في لحظة تاريخية حرجة، يصبح من الضروري التذكير بأن القضايا المصيرية لا تُبتّ بالشعارات، ولا تُفرض بالواقع الميداني، بل تُناقش ضمن إطار دستوري جامع، يضمن مشاركة كل السوريين في تقرير مستقبلهم.
هذا الملف يهدف إلى إبراز الإشكالية المتداخلة، تفكيك أسبابها، وتحليل جذور الخطاب الانفصالي، ثم تقديم رؤية وطنية بديلة، تستند إلى العدالة، والمشاركة، والدستور.
من يقرر؟
- هل يمكن لجماعة مسلحة أو فصيل سياسي أو عسكري أن يقرر مصير دولة بأكملها؟
- هل يحق لمن يسيطر على شارع أو مدينة أن يفرض على ملايين السوريين واقعًا تقسيميًا جديدًا؟
في القضايا المصيرية، لا مكان للقرارات الأحادية. فالانفصال أو التقسيم ليس شعارًا يُرفع في مظاهرة أو ورقة تفاوضية مؤقتة، بل قضية ترتبط بالسيادة ووحدة الأرض، ولا يُبتّ فيها إلا بإرادة وطنية شاملة واستفتاء عام يضمن حق جميع السوريين في المشاركة.
دروس من التاريخ الإقليمي
- لبنان عاش حربًا أهلية لعقدين، ومع ذلك لم يُطرح تقسيم البلاد.
- في سوريا، ساهم المزاج السياسي العام، أخطاء الأجهزة الأمنية، وغياب الشفافية في إضعاف صورة الدولة.
- استبعاد الكفاءات الثورية والمنشقين أدى إلى غضب شعبي واسع.
القانون السوري واضح
- وحدة الأرض والشعب مبدأ دستوري لا يخضع للمساومة.
- أي محاولة لإدارة الموارد أو إعلان استقلال تُعد خرقًا للسيادة الوطنية.
- الثروات الطبيعية تُدار مركزيًا لضمان العدالة بين المحافظات.
الحقوق التنموية والثقافية
المطالب المحلية مشروعة ومكفولة بالقانون، لكنها تُعالج عبر:
- الحوار الوطني
- الإصلاحات الإدارية والتنموية وليس عبر الانفصال الذي يهدد وحدة البلاد.
دروس من تجارب دولية
- السودان: انفصال لم يحقق السلام الدائم
- إسبانيا: رفضت انفصال كاتالونيا
- كندا: أجرت استفتاء قانوني لكبك تحت إشراف الدولة
لماذا التشدّد نحو الانفصال؟
الأسباب المباشرة في السويداء:
- الواقع الجغرافي المشحون
- غياب الحكم التشاركي
- أحداث الساحل والمجازر غير المعالجة
- الانفجار الطائفي في السويداء
- جريمة المستشفى الوطني
- ردود فعل اجتماعية صادمة
- خروقات سياسية وفشل الحكومة الانتقالية
ملحق: التركيبة السكانية لمحافظة السويداء
الطائفة الدرزية
عدد السكان: نحو 500,000 نسمة (90% من السكان)
الأصول: تعود جذور الطائفة الدرزية إلى القرن الحادي عشر الميلادي، وظهر الدروز أصلاً في مصر، قبل أن يهاجروا و يستقروا في جبل العرب (السويداء الحالية) منذ قرون طويلة.
الوجود الاجتماعي: الزراعة وتربية المواشي، مع الحفاظ على التماسك التاريخي
المكون البدوي
عدد السكان: نحو 250,000 نسمة، ينتمون إلى قبائل عربية مثل زبيد وعنزة
الأصول: تعود أصولهم إلى شبه الجزيرة العربية، وقد بدأت بعض هذه القبائل بالاستقرار في منطقة السويداء منذ القرن السابع عشر الميلادي، ضمن موجات هجرة تاريخية بحثًا عن المراعي والموارد الطبيعية.
العلاقات مع المجتمع الدرزي: تاريخيًا متوترة أحيانًا، خصوصًا حول المراعي والقضايا الاجتماعية، لكن التعايش ظل قائمًا ضمن القيم المحلية
المسيحيون في السويداء
النسبة: نحو 7% من السكان
الطوائف: الروم الأرثوذكس، الروم الملكيون الكاثوليك، واللاتين
الوجود التاريخي: استقروا منذ قرون وشاركوا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية
خلاصة: التنوع السكاني في السويداء يؤكد ضرورة الوحدة الوطنية واحترام حقوق جميع المكونات، والالتزام بالدستور والقوانين لضمان تماسك المجتمع السوري واستقراره.
خارطة طريق وطنية
سوريا لا تعاني فقط من أزمة حكم، بل من أزمة هوية وطنية جامعة. لكن رغم هذا الواقع القاتم، لا يزال هناك أمل.
مقترحات الحل:
- تشكيل حكومة مدنية تشاركية
- محاسبة شفافة لمرتكبي الجرائم
- إطلاق حوار وطني شامل
- إصلاح دستوري يضمن الحقوق الثقافية والتنموية
- رفض التدخلات الخارجية التي تغذي الانقسام
خاتمة:
سوريا ليست مجموعة جغرافية متجاورة، بل نسيج اجتماعي متداخل، وتاريخ مشترك، وأمل جماعي في مستقبل أفضل. الانفصال ليس حلًا، بل هروبًا من مواجهة الحقيقة. والحل الحقيقي يبدأ حين نؤمن أن الوطن يتسع للجميع، وأن العدالة لا تُجزّأ، وأن الدستور هو الحصن الأخير لوحدة الأرض والناس.
أحمد سليمان
- صادر عن نشطاء الرأي
رابط الملف https://opl-now.org/2025/08/17/sleiman-40/