كتب حسن عبد الله الخلف: استثمرت سلطة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع العشائر العربية لفترة وجيزة، معتبرة إياها قوة اجتماعية قادرة على تعبئة المجتمعات وحماية الأرض، ثم شوهت صورتها بالكامل بعد أحداث السويداء. بين “فزعة الزلزال” و”فزعة السويداء” فرق شاسع في التسويق والهدف والمعنى ففي فزعة الزلزال التي ضربت شمال سورية وتركيا أثبتت القبائل والعشائر قدرتها على الاستجابة السريعة والفاعلة لأكبر كارثة طبيعية، فكانت تدخلاتها وتنسيقها بين المتضررين أكثر تأثيراً من الدور الرسمي للدولة، ونجحت في التخفيف من آثار الزلزال على المدنيين والممتلكات. هذا الحدث أعاد للقبيلة رمزية اجتماعية قوية، وأكد على دورها كدرع حماية حقيقي للمجتمع، يعكس قدراتها التنظيمية والتضامنية التاريخية، ويجعلها شريكاً استراتيجياً في أزمات الطوارئ الوطنية.
في المقابل وبعد فزعة السويداء تحوّل نفس الحضور الشعبي والعشائري إلى مادة للاتهام والوصم الجماعي. فقد ألصقت بالعشائر كل الجرائم المحتملة: الاغتصاب، الخطف، التعفيش، حرق البيوت، وسلوك غير منضبط وذهب وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى تحميل العشائر المسؤولية كاملة عما وقع. هذا التحول قلب الصورة في الرأي العام والإعلام الرسمي من شركاء في حماية المجتمع إلى خصوم مفترضين، ومصدر تهديد دائم، وأصبح كل خطأ فردي أو محلي يُلصق بالهوية القبلية كلها.
التاريخ يوضح حجم الانقلاب الذي أحدثته هذه السياسة: العثمانيون اعتبروا القبائل شركاء مشروطين يمنحونهم امتيازات مقابل ولاء وأمن الطرق، والفرنسيون استغلوا القبائل ضمن سياسة “فرق تسد” لكنها لم تصل إلى حد وصمة جماعية للهوية، والدولة البعثية قلصت الدور السياسي للقبائل لكنها حافظت على الرمزية الاجتماعية سواء في الانتخابات أو إدارة المجتمع المحلي أما سلطة الشرع الانتقالية، فقد كسرت هذا النمط التاريخي، فحوّلت كل مشاركة عشائرية إلى تهديد، ووصمت الهوية كلها بسلوك غير منضبط، ما جعل العشائر موضع اتهام دائم وفقدت أي دور إيجابي في إدارة المجتمع أو المساهمة في الاستقرار السياسي.
الفرق بين الفزعتين يبرز بوضوح معاني الرسائل السياسية والاجتماعية:
فزعة الزلزال أظهرت القوة المجتمعية الإيجابية للقبائل، وأثبتت جدارتها في حماية الأرض والناس، بينما فزعة السويداء استخدمت لتسويق العشائر ككتلة مذنبة، وتحويلها إلى كبش فداء، رغم أنها كانت تتصرف ضمن ما خطط لها وسمح لها بالدخول والانسحاب هذا الاختلاف في التسويق والهدف والمعنى يكشف عن نية سياسية واضحة في تشويه صورة العشائر واستغلالها كأداة للضغط، بدلاً من دمجها في مشروع وطني.
نتيجة هذا التحول أن مستقبل العشائر في سوريا أصبح محفوفاً بالمخاطر:
فقد تحولت من شريك محتمل في بناء الدولة إلى كتلة موصومة بالفساد والفوضى، مما يهدد استقرار الدولة ووحدة المجتمع على المدى الطويل. أي مشروع وطني يعتمد على القبائل سيكون مرهوناً بمدى قدرة الحكومة والمجتمع المدني على رفع الوصمة واستعادة الثقة بين الدولة والعشائر، وإلا فإن العشيرة ستظل مرتبطة في المخيال العام بالعنف والفوضى، بينما تُنسى قدراتها التنظيمية والتضامنية التي أظهرتها بوضوح خلال فزعة الزلزال.
حسن عبد الله الخلف : باحث في الشأن السوري
المقال صادر عن نشطاء الرأي
الرابط : https://opl-now.org/2025/10/26/h/

المزيد من المواضيع
هل المستشار الألماني ميرتس من جذور سورية؟ عن صورة المدينة، والخوف من الآخر
اتحاد الكتاب العرب وإشكالية تحديثه في إطار العدالة الانتقالية
السويداء بين فلول النظام والهجري وتفاهمات الدولة.. ملامح إعادة تشكّل الجنوب السوري