12 نوفمبر, 2025

هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون إنسانياً؟ … قراءة في أطروحات رزكار عقراوي

مع تحوّل الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعي إلى أشبه بعَبْدٍ للتكنولوجيا، تتحكم الخوارزميات في قراراته، وفي طريقة تفكيره، وفي مسار حياته اليومية. في هذا المشهد الرقمي المهيمن، يقف رزكار عقراوي، متسائلاً: هل يمكن أن تُستعاد هذه القوة الرقمية لتصبح أداة تحرر، بدل أن تظل أداة قمع وسيطرة؟

  • مواجهة الهيمنة :

في كتابه الأخير «الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحدّيات اليسار والبدائل الممكنة: التكنولوجيا في خدمة رأس المال أم أداة للتحرر؟»، يأخذنا عقراوي في رحلة فكرية بين رقعة السيطرة الرقمية وميدان الحرية الممكن. يرى الكاتب أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أدوات تقنية، بل مشروع سلطوي جديد يعيد إنتاج علاقات القوة، تمامًا كما احتكر رأس المال وسائل الإنتاج في القرون الماضية. وهنا يصبح الوعي الرقمي للمجتمع المدني، وقدرة اليسار على بناء أدوات مستقلة، شرطًا لاستعادة الحرية وفرض العدالة الاجتماعية.

  • الفجوة الرقمية وأميّة التقدميين:

يركز الكتاب على الفجوة الرقمية بين اليسار والرأسمالية، موضحًا أن اليسار غالبًا ما يفتقر إلى الأدوات التقنية والرؤية السياسية لاستخدامها بفعالية. الأمية الرقمية، بحسب عقراوي، ليست مجرد عجز عن تشغيل الأجهزة، بل غياب القدرة على فهم بنية الأنظمة الرقمية وكيفية تأثيرها على الحياة اليومية والوعي الجماهيري. ولذلك، يؤكد ضرورة تطوير قدرات تقنية مستقلة داخل التنظيمات التقدمية، لتصبح أدوات النضال الرقمي متاحة وفاعلة، بعيدًا عن سيطرة السوق وخوارزميات الربح.

  • الشباب… طاقة التحول:

يلعب الشباب دورًا محوريًا في هذا التحوّل الرقمي. فهم القوة الحركية القادرة على تجديد أدوات النضال السياسي والاجتماعي في العصر الرقمي. يشدد عقراوي على أهمية تمكين الشباب داخل التنظيمات اليسارية، ليس فقط لتقليص الأمية الرقمية، بل لتصميم أدوات ومنصات تشاركية مفتوحة المصدر تُعيد توجيه التكنولوجيا نحو خدمة الإنسان، بعيدًا عن مصالح الشركات الكبرى.

  • أمميات رقمية يسارية:

إلى جانب ذلك، يدعو عقراوي إلى تأسيس أمميات يسارية رقمية، تعبر الحدود الوطنية والفكرية، لتطوير بدائل تشاركية وعادلة للذكاء الاصطناعي. هذه الأمميات الرقمية لا تمثل تحالفات شكلية فحسب، بل هي شبكة عمل عملية لدعم العدالة الاجتماعية والمساواة، ومواجهة تحكم الشركات الكبرى بالمعلومة والتقنيات، مع الحفاظ على التنوع الثقافي والمعرفي.

  • التكنولوجيا ليست محايدة:

يحذر عقراوي من المخاطر التي ترافق استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة قمع ومراقبة، مؤكدًا أن التكنولوجيا ليست محايدة، بل تحمل دائماً أيديولوجيا تعكس مصالح من يملكها. لذلك، يجب استخدام هذه الأدوات نقديًا وحذرًا، مع تطوير بدائل إنسانية تعزز الديمقراطية الرقمية، وتحمي خصوصية البيانات، وتضمن الشفافية.

  • التكنولوجيا والعدالة الاجتماعية:

الكتاب، بلغة واضحة وميسرة باللغتين العربية والإنجليزية، يسعى إلى فتح نقاش واسع حول العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، ويقدّم رؤية عملية لكيفية تحويل الذكاء الاصطناعي إلى قوة تحرّر اجتماعي، بعيدًا عن هيمنة السوق. وفي ختام القراءة، يطرح عقراوي سؤالًا جوهريًا: هل سنجعل الذكاء الاصطناعي أكثر شبهاً بنا في إنسانيتنا، أم سنستسلم لمنطق الربح الذي يفرضه رأس المال؟

أحمد سليمان

 

 

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب