12 نوفمبر, 2025

سوريا بين رفع العقوبات وإعادة التموضع: فرصة لا ينبغي التفريط بها

يشكّل رفع العقوبات عن القيادة الانتقالية في دمشق أحد أبرز التحولات السياسية منذ بداية الأزمة السورية، ليس من حيث نتائجه المباشرة فحسب، بل من حيث ما يكشفه من إعادة رسم خريطة المواقف الإقليمية والدولية تجاه سوريا.
ولم يكن رفع العقوبات عن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب خطوة بروتوكولية أو تقنية في سياق تفاوضي عابر، بل بدا كأنه إعلان واضح بأنّ سوريا تدخل مرحلة جديدة، عنوانها الأبرز: الانخراط الدولي بدل العزلة، والبحث عن الاستقرار بدل الاستنزاف.

فالقرار الذي حظي بتأييد 14 دولة في مجلس الأمن، بما في ذلك القوى الكبرى المؤثرة في النظام الدولي، يعكس تحوّلًا في المقاربة العالمية تجاه دمشق. لقد انتقلت النظرة من اعتبار سوريا ساحة صراع مفتوحة إلى التعامل معها كدولة قابلة لاستعادة دورها السياسي والإقليمي، بعد أن دفعت الكلفة الأعلى للحرب والتفكك والجغرافيا المثقلة بالحدود والنزاعات.

اللافت في المشهد أن الصين اختارت الامتناع لا المعارضة. وهو خيار لا ينم عن اعتراض جوهري، بقدر ما يشي بإعادة تموضع صيني محسوب ينتظر ما ستقدمه الإدارة الانتقالية من إشارات جدية. فبكين لا تتعامل مع سوريا كملف سياسي عابر، بل كمحطة استراتيجية على طريق الحرير الجديد، وقاعدة محتملة لاستثمارات واسعة في البنى التحتية والطاقة وإعادة الإعمار – إذا استقرت المؤسسة السياسية.

▪︎الاختبار الحقيقي يبدأ من الداخل

رغم رفع العقوبات، فإن المجتمع الدولي لا يزال يراقب بدقة أربع ملفات حاسمة:

1.الأمن وإعادة هيكلة المؤسسات
2.المحاسبة والعدالة الانتقالية
3.مكافحة الفساد العميق
4.استعادة ثقة المواطنين بالدولة

هذه المطالب ليست شعارات إصلاحية، بل شروط بقاء. فلا يمكن لدولة أن تستعيد دورها الخارجي إذا لم تستعد أولًا علاقتها بشعبها.
الدولة التي لا يثق بها مواطنوها، لا يثق بها العالم.

وفي هذا السياق، تتداول الأوساط السياسية معلومات بشأن لقاء مرتقب بين أحمد الشرع والرئيس الأميركي دونالد ترامب. وإن تم، فإنه قد يؤسس لتحولات ملموسة في أولويات التعاون الأمني ومكافحة شبكات المخدرات، وربما مقاربة أكثر هدوءًا للملفات الإقليمية، دون المساس بالثوابت الوطنية السورية.

أمّا المؤشر العملي على جدية الانفتاح فقد ظهر من لندن، حيث أعلنت الحكومة البريطانية رفع العقوبات عن الشرع وخطاب فور صدور القرار الدولي.
وهذه ليست مجرد خطوة إجرائية، بل رسالة مباشرة تقول:
الفرصة متاحة… والاختبار يبدأ الآن.

▪︎من الخطاب إلى الفعل: الطريق الممكن

إذا أرادت دمشق أن تنتقل من موقع المتلقي إلى صانع السياسات، فإن ذلك يتطلب خارطة عمل واقعية:

6 أشهر لإعادة تنظيم وتفعيل المؤسسات المدنية والخدمية.

18 شهرًا لإطلاق مسار عدالة انتقالية يضمن كشف الحقائق لا الانتقام.

5 سنوات لوضع خطة إعمار وتنمية قائمة على الشفافية، وبعيدة عن منظومات المحسوبيات القديمة.

وفي موازاة ذلك، يجب ضبط التدخلات غير المؤسسية في حياة المواطنين — أياً كان مصدرها — واستبدالها بسيادة قانون مدني واضح يمنع تحويل السلطة الدينية أو الاجتماعية أو الأمنية إلى بديل عن الدولة.
فالدولة الحديثة تُبنى بالقانون، لا بالوصاية أو الأعراف المتقلبة.

لا تحتاج سوريا إلى معجزة بقدر ما تحتاج إلى اتفاق على ما هو بديهي:
أن كرامة المواطن هي أساس الدولة، وأن الدولة التي تحمي مواطنيها تحمي نفسها.

▪︎ما بين الإمكان والإنجاز

إنها لحظة فارقة ، إما بداية تعافٍ لبلاد أنهكها التاريخ،
أو محطة أخرى على طريق الدوران في المكان.

والفرق، كما العادة، يصنعه القرار.

أحمد سليمان

يشكّل رفع العقوبات عن القيادة الانتقالية في دمشق أحد أبرز التحولات السياسية منذ بداية الأزمة السورية، ليس من حيث نتائجه المباشرة فحسب، بل من حيث ما يكشفه من إعادة رسم خريطة المواقف الإقليمية والدولية تجاه سوريا.
ولم يكن رفع العقوبات عن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب خطوة بروتوكولية أو تقنية في سياق تفاوضي عابر، بل بدا كأنه إعلان واضح بأنّ سوريا تدخل مرحلة جديدة، عنوانها الأبرز: الانخراط الدولي بدل العزلة، والبحث عن الاستقرار بدل الاستنزاف.

فالقرار الذي حظي بتأييد 14 دولة في مجلس الأمن، بما في ذلك القوى الكبرى المؤثرة في النظام الدولي، يعكس تحوّلًا في المقاربة العالمية تجاه دمشق. لقد انتقلت النظرة من اعتبار سوريا ساحة صراع مفتوحة إلى التعامل معها كدولة قابلة لاستعادة دورها السياسي والإقليمي، بعد أن دفعت الكلفة الأعلى للحرب والتفكك والجغرافيا المثقلة بالحدود والنزاعات.

اللافت في المشهد أن الصين اختارت الامتناع لا المعارضة. وهو خيار لا ينم عن اعتراض جوهري، بقدر ما يشي بإعادة تموضع صيني محسوب ينتظر ما ستقدمه الإدارة الانتقالية من إشارات جدية. فبكين لا تتعامل مع سوريا كملف سياسي عابر، بل كمحطة استراتيجية على طريق الحرير الجديد، وقاعدة محتملة لاستثمارات واسعة في البنى التحتية والطاقة وإعادة الإعمار – إذا استقرت المؤسسة السياسية.

▪︎الاختبار الحقيقي يبدأ من الداخل

رغم رفع العقوبات، فإن المجتمع الدولي لا يزال يراقب بدقة أربع ملفات حاسمة:

1.الأمن وإعادة هيكلة المؤسسات
2.المحاسبة والعدالة الانتقالية
3.مكافحة الفساد العميق
4.استعادة ثقة المواطنين بالدولة

هذه المطالب ليست شعارات إصلاحية، بل شروط بقاء. فلا يمكن لدولة أن تستعيد دورها الخارجي إذا لم تستعد أولًا علاقتها بشعبها.
الدولة التي لا يثق بها مواطنوها، لا يثق بها العالم.

وفي هذا السياق، تتداول الأوساط السياسية معلومات بشأن لقاء مرتقب بين أحمد الشرع والرئيس الأميركي دونالد ترامب. وإن تم، فإنه قد يؤسس لتحولات ملموسة في أولويات التعاون الأمني ومكافحة شبكات المخدرات، وربما مقاربة أكثر هدوءًا للملفات الإقليمية، دون المساس بالثوابت الوطنية السورية.

أمّا المؤشر العملي على جدية الانفتاح فقد ظهر من لندن، حيث أعلنت الحكومة البريطانية رفع العقوبات عن الشرع وخطاب فور صدور القرار الدولي.
وهذه ليست مجرد خطوة إجرائية، بل رسالة مباشرة تقول:
الفرصة متاحة… والاختبار يبدأ الآن.

▪︎من الخطاب إلى الفعل: الطريق الممكن

إذا أرادت دمشق أن تنتقل من موقع المتلقي إلى صانع السياسات، فإن ذلك يتطلب خارطة عمل واقعية:

6 أشهر لإعادة تنظيم وتفعيل المؤسسات المدنية والخدمية.

18 شهرًا لإطلاق مسار عدالة انتقالية يضمن كشف الحقائق لا الانتقام.

5 سنوات لوضع خطة إعمار وتنمية قائمة على الشفافية، وبعيدة عن منظومات المحسوبيات القديمة.

وفي موازاة ذلك، يجب ضبط التدخلات غير المؤسسية في حياة المواطنين — أياً كان مصدرها — واستبدالها بسيادة قانون مدني واضح يمنع تحويل السلطة الدينية أو الاجتماعية أو الأمنية إلى بديل عن الدولة.
فالدولة الحديثة تُبنى بالقانون، لا بالوصاية أو الأعراف المتقلبة.

لا تحتاج سوريا إلى معجزة بقدر ما تحتاج إلى اتفاق على ما هو بديهي:
أن كرامة المواطن هي أساس الدولة، وأن الدولة التي تحمي مواطنيها تحمي نفسها.

▪︎ما بين الإمكان والإنجاز

 

إنها لحظة فارقة ، إما بداية تعافٍ لبلاد أنهكها التاريخ،
أو محطة أخرى على طريق الدوران في المكان.

والفرق، كما العادة، يصنعه القرار.

أحمد سليمان

الرابط : https://opl-now.org/2025/11/08/sleiman-50

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب