12 نوفمبر, 2025

إعادة تعريف اتحاد الكتّاب في سوريا: بين المهام والاستقلالية

أُثير في الفضاء العام سؤالٌ جوهري حول طبيعة “اتحاد الكتّاب العرب في سوريا”: أهو نقابة أم مؤسسة ثقافية؟
ليس هذا السؤال مجرد جدل تنظيمي، بل هو مرآة لتحولات أعمق تمس معنى الدولة، وموقع المثقف، وحدود العلاقة بين السلطة والمعرفة.
ففي لحظةٍ تتقاطع فيها أسئلة الانتماء مع أسئلة الحرية، يغدو هذا السؤال مدخلًا لإعادة التفكير في بنية الاتحاد، وفي الدور الذي ينبغي أن يضطلع به في “سوريا الجديدة”.

لقد نشأ الاتحاد في ظل نظام شمولي، حيث جرى تفريغ العمل النقابي من استقلاله الطبيعي، وتحويله إلى أداة للضبط والولاء السياسي. وكما حدث في نقابات المحامين والمهندسين والفنانين، تحوّل الاتحاد إلى ذراع دعائية للدولة، لا إلى بيتٍ للكتّاب أو منبرٍ للثقافة الحرة.

كان الاتحاد نقابةً في الشكل، لكنه في الجوهر مؤسسةٌ دعائية. فالانتماء النقابي لم يكن حقًا مهنيًا، بل “رخصة ولاء” تُمنح لمن يلتزم بخط الحزب الحاكم، وتُسحب ممن يشذّ عنه أو يعلن موقفًا حرًّا. أما الثقافة، فقد أُخضعت للرقابة، وفقدت دورها التنويري، بل تواطأت أحيانًا مع آلة القمع، بالتبرير أو بالصمت.

اليوم، في ظل التحولات التي تشهدها سوريا، لم يعد ممكنًا استمرار هذا اللبس البنيوي. فإعادة تعريف الاتحاد تتطلب فصلًا واضحًا بين النقابة بوصفها كيانًا مهنيًا، والمؤسسة الثقافية بوصفها فضاءً للإبداع والوعي.

النقابة، في المفهوم المدني الحديث، تدافع عن الحقوق المهنية والمادية لأعضائها: الضمان، التقاعد، فرص النشر والعمل، حماية الملكية الفكرية، والشفافية المالية. أما المؤسسة الثقافية، فهي كيانٌ مستقل معنويًا، يُعنى بالإبداع والفكر، وينفتح على المجتمع بمشاريعه وأنشطته، ويسهم في بناء الذائقة الجمالية والوعي النقدي، ويدافع عن حرية التعبير بوصفها شرطًا للثقافة.

الخلط بين المفهومين أنتج اتحادًا مترهّلًا، مشغولًا بالمعاش لا بالإبداع، وبالولاء لا بالفكر. لذلك، فإن التحدي لا يكمن في “تجديد” الاتحاد شكليًا، بل في إعادة بنائه على أسس جديدة:

– أن يكون نقابيًا في خدماته، ثقافيًا في رؤيته، مستقلًا في قراره.
– أن يتحرر من إرث الوصاية السياسية ومن ذهنية “التمثيل الحزبي”.
– أن يعيد الاعتبار إلى الكاتب بوصفه ضمير المجتمع، لا موظفًا في بلاط السلطة.

ولتحقيق ذلك، لا بد من مراجعة داخلية شجاعة، تشمل مساءلة المرحلة السابقة، وكشف الفساد والولاءات الزائفة، والانفتاح على كتّاب الداخل والخارج، ممن دفعوا أثمانًا باهظة لمواقفهم، ومنحهم مكانتهم المستحقة في المشهد السوري المعاصر.

فالسؤال “هل الاتحاد نقابة أم مؤسسة ثقافية؟” لا يُجاب عنه بنعم أو لا، بل بتأسيس مشروع وطني ثقافي جديد يُعيد تعريف الكلمة بوصفها فعلًا للمواطنة، لا أداة للدعاية.

إن إعادة تعريف اتحاد الكتّاب ليست ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة وطنية وثقافية، تفتح الباب أمام بناء مؤسسة تحمي الكلمة، وتمنح الكاتب مكانته بوصفه شريكًا في الوعي، لا تابعًا في السلطة.

أحمد سليمان

صادر عن نشطاء الرأي

 

الرابط الملف: https://opl-now.org/2025/11/11/sleiman-52/

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب