تحقيق: حول إقالة رئيس تحرير “الأسبوع الأدبي” حسن قنطار وتباين المواقف
في حادثة أثارت جدلًا واسعًا داخل الوسط الثقافي السوري، أقال رئيس اتحاد الكتّاب العرب د. أحمد جاسم الحسين رئيس تحرير صحيفة “الأسبوع الأدبي”، الأستاذ حسن قنطار، بدعوى منعه نشر مقال لأحد الكتّاب. وبينما بدا القرار في ظاهره دفاعًا عن حرية التعبير، تكشّفت لاحقًا روايات متضاربة وتساؤلات حول آليات اتخاذ القرار داخل الاتحاد. هذا التحقيق يرصد تفاصيل الحادثة، ويستعرض الأصوات المختلفة، ويطرح أسئلة حول البنية المؤسساتية التي تحكم العمل الثقافي في سوريا.
● القرار: مفاجئ وغامض:
في منشور على صفحته الشخصية في “فيسبوك”، أعلن د. أحمد جاسم الحسين، رئيس اتحاد الكتّاب العرب، عن إقالة رئيس تحرير “الأسبوع الأدبي”، مشيرًا إلى أن السبب هو “منع نشر مقال”، بما يُعد انتهاكًا لمبادئ حرية التعبير.
اللافت أن القرار لم يُنشر عبر المنصات الرسمية للاتحاد، ولم يُذكر اسم الأستاذ حسن قنطار صراحة، ما أثار تساؤلات حول دقة الإجراء. والأكثر غرابة أن القرار صدر باسم مكتب الإعلام، الذي يرأس قسمه الأستاذ محمد منصور، كاتب المقال موضوع الخلاف، مما يطرح علامات استفهام حول مدى استقلالية القرار ومشروعيته المؤسساتية.
● روايات متضاربة:
بدوره، نفى رئيس التحرير الأستاذ حسن قنطار مسؤوليته عن منع النشر، مؤكدًا أن القرار جاء مباشرة من رئيس الاتحاد نفسه. وقد تلقى دعمًا وتضامنًا من عشرات المثقفين، أبرزهم الصحفي محمد منصور، كاتب المقال موضوع الخلاف، الذين رأوا أن الإقالة تمس مبدأ استقلالية الصحافة وحرية التعبير داخل المؤسسات الثقافية. في المقابل، دافع آخرون عن قرار الإقالة، معتبرين أنه يعكس وعيًا مؤسساتيًا وسعيًا للحفاظ على انضباط العمل داخل الاتحاد، بينما دعا فريق ثالث إلى إجراء تحقيق شفاف ومستقل لكشف الملابسات والحقيقة كاملة، بما يضمن مساءلة عادلة لجميع الأطراف.
وفي تصريح خاص ، قدّم حسن قنطار روايته قائلاً:
«بالأساس لم يكن هنالك أي شيء مما نُسب إليّ بأنني رفضت نشر مقال الأستاذ محمد منصور، الذي يرأس قسم الإعلام في الاتحاد وعضو المكتب التنفيذي أيضًا. كتب الأستاذ منصور مقالًا وقال لي إنه يرغب في نشره في افتتاحية الأسبوع الأدبي للعدد الذي لم يصدر بعد. قرأت المقال وكان جريئًا وناقدًا لقرارات المكتب التنفيذي، وكالعادة تُعرض مثل هذه المواد على المسؤول العام، أي رئيس الاتحاد، الذي رفض نشر المقال. رغبتُ بنشره فعلاً، لكنني لم أناقش القرار لأنه صادر عن الجهة الأعلى إداريًا. بعد ذلك نشر الأستاذ منصور مقاله في موقع آخر مشيرًا إلى أنه رُفض من قبل رئيس الاتحاد أيضًا، ولم يرد رئيس الاتحاد عليه. وبعد نحو 48 ساعة فوجئتُ بقرار إقالتي بحجة رفض المقال. فأين العدل الإداري في ذلك؟»
هذا التصريح يضع القضية في سياق مختلف، إذ يُظهر أن الخلاف لم يكن حول حرية النشر بحد ذاتها، بل حول آلية اتخاذ القرار داخل الاتحاد، وتحديدًا من يملك صلاحية البتّ في المواد الصحفية: رئيس التحرير أم رئيس الاتحاد؟
● تساؤلات حول الإجراءات:
أثارت الحادثة أسئلة حول آليات اتخاذ القرار داخل الاتحاد:
- هل جرى تنبيه رئيس التحرير أو التشاور معه قبل الإقالة؟
- هل نوقش القرار في هيئة تحرير أو مجلس إدارة؟
- هل توجد محاضر أو مراسلات توثق ما جرى؟
- ما مضمون المقال الممنوع؟ ومن الذي اتخذ قرار المنع فعليًا؟
غياب هذه الإجابات يعزز الانطباع بأن القرار اتُّخذ بشكل فردي لا مؤسساتي. وللفهم الكامل، من الضروري الاطلاع على مضمون المقال الذي شكّل محور الأزمة.
● مضمون المقال الممنوع:
المقال الممنوع من النشر للصحفي محمد منصور، نُشر لاحقًا على منصة أخرى بعنوان: «ثقافة الإلغاء والدمج: وداعًا مجلاتنا»، مع إشارة إلى «المقال الممنوع من النشر في الأسبوع الأدبي».
يستعرض المقال السياق الثقافي والتاريخي للمجلات والصحف، مبتدئًا من مصر التي واصلت فيها مجلات مثل “الهلال” و”روز اليوسف” رسالتها رغم تغيّر الأنظمة، وصولًا إلى سوريا التي ألغى فيها حزب البعث عشرات الصحف. كما يقدم قراءة لمسار الذاكرة الثقافية العربية، وصولًا إلى المرحلة الانتقالية الحالية والتعيينات الجديدة في مؤسسات الدولة، فيما ينتقد منصور قرار اتحاد الكتّاب العرب بدمج مجلاته الأربع في واحدة، بوصفه ضربة لإرث ثقافي عمره نصف قرن.
ويُظهر المقال إشكالية إدارية تتضمن تجاوزات واضحة واستفرادًا باتخاذ القرار، إذ يشير إلى أن دمج المجلات تم بموافقة أربعة أعضاء فقط من أصل تسعة، رغم معارضة عضوين وتغيب ثلاثة، ما يجعل القرار غير مستوفٍ للإجماع المطلوب، ومع ذلك صدر باسم المكتب التنفيذي.
● لغة القرار: بلاغة السلطة:
استخدام عبارة “رئاسة الاتحاد” في نص القرار، ونشره على صفحة شخصية، منح القرار طابعًا سلطويًا يُحاكي خطاب “رئاسة الجمهورية” أكثر مما يعكس لغة مؤسسة ثقافية يفترض أن تقوم على الحوار والتشاركية. هذا الأسلوب يعكس تغلغل بلاغة السلطة السياسية في بنية الخطاب الثقافي داخل الاتحاد، ويقوّض استقلاله المعنوي والإداري. كما أنه يكرّس صورة هرمية في إدارة الشأن الثقافي، تُضعف الثقة بالمؤسسات النقابية وتعيد إنتاج منطق الأوامر بدل التوافق، ما يجعل من القرار أقرب إلى بيان رسمي منه إلى إجراء مهني داخل مؤسسة ثقافية.
● خلفية مثيرة للجدل:
أشارت بعض الأصوات إلى أن منشورات رئيس الاتحاد تميل إلى خطاب عشائري أو تمجيد أنظمة ملكية، فيما أكد آخرون وجود موقف مسبق تجاه الأستاذ حسن قنطار، ما اعتُبر مؤشرًا على رؤية محافظة لا تتوافق مع طبيعة الموقع الذي يشغله الأستاذ د. أحمد جاسم الحسين. ويرى هؤلاء أن هذا التوجه الفكري والثقافي انعكس في آلية اتخاذ القرار، إذ تمثل إقالة قنطار امتدادًا لهذه الرؤية السلطوية أكثر من كونها إجراءً تنظيميًا بحتًا، وهو ما يثير تساؤلات حول استقلالية الاتحاد وقدرته على أداء دوره كمؤسسة نقابية تعبّر عن مصالح الكتّاب وثقافتهم، بعيدًا عن التأثيرات الشخصية أو السياسية.
● أزمة إدارة
تتجاوز الأزمة شخصياتها لتكشف خللًا في العلاقة بين الاتحاد وصحفه:
- هل رئيس التحرير عضو نقابي أم صحفي مستقل؟
- ما مدى استقلالية الصحيفة عن توازنات الاتحاد؟
- هل يمتلك رئيس الاتحاد خبرة كافية في العمل النقابي؟
الانتقادات طالت أيضًا ضعف النشاط المؤسسي للاتحاد، واقتصار حضوره على منشورات فيسبوكية دون تفعيل ملموس لدوره الثقافي.
● نحو إصلاح مؤسساتي:
الحل لا يكمن في الانحياز لطرف، بل في العودة إلى قواعد العمل النقابي:
- توثيق القرارات
- تحديد آليات النشر والمساءلة
- ضمان الشفافية في الإجراءات التأديبية
فقط حين تُكشف كل جوانب القضية، يمكن القول إن الاتحاد يتصرف كمؤسسة نقابية لا كشخص، وأن الحرية فيه ممارسة لا شعار.
● شخصنة اتحاد الكتّاب:
تكشف هذه الحادثة أن الثقافة الرسمية في سوريا، رغم شعاراتها، لا تزال أسيرة لنموذج سلطوي تقليدي: قرارات فردية، غياب للمساءلة، واستدعاء شعارات لتبرير السيطرة. وإذا كان الاتحاد يسعى فعلًا لترسيخ حرية التعبير، فعليه أولًا أن يتحرر من منطق “الرئاسة”، ويعيد الاعتبار لدوره كمؤسسة تمثل الكتّاب،لا تتحدث باسمهم وتقصي آرائهم.
أحمد سليمان
محرر موقع نشطاء الرأي
الرابط : https://opl-now.org/2025/11/13/ahmad-sleiman-16/



المزيد من المواضيع
شيفرة السياسة الخارجية تجاه سوريا : تداخل الملفات، أدوار اللاعبين، وخيارات القيادة الحالية
جلسة مغلقة بين الشرع وترامب: انسحاب إسرائيلي، تنمية مشروطة، ومكافحة الإرهاب
إعادة تعريف اتحاد الكتّاب في سوريا: بين المهام والاستقلالية