قبل أي نقاش حول “الديون” التي تزعم طهران أنها على سوريا تسديدها، لا بدّ من قلب السؤال رأساً على عقب:
هل يحق لإيران المطالبة بمستحقات مالية، فيما كانت شريكاً أصيلاً في العنف والقتل والدمار الذي أصاب السوريين؟
بل الأجدر: أليس من الواجب مقاضاة إيران أولاً قبل أي حديث عن ديون أو التزامات؟
هذه ليست مجرد صياغة انفعالية، بل مدخل طبيعي لفهم علاقة طهران بالملف السوري خلال السنوات الماضية. فبينما ترفع إيران خطاب “الدعم” و“الواجب الأخلاقي”، تكشف الحقائق الميدانية والسياسية أن تدخلها كان سبباً مركزياً في إطالة المأساة وفي صناعة الخراب من خلال دعمها لإجرام نظام بشار الأسد الذي سقط قبل عام، وأن الديون الحقيقية في هذا الملف ليست مالية، بل ديون دم ودمار وتفكيك دولة.
المسار القانوني: الطريق بات مفتوحاً
من حيث المبدأ، يمكن رفع دعاوى ضد إيران، لكن الطريق لم يكن مباشراً في الماضي بسبب غياب سلطة شرعية مستقلة. اليوم، ومع وجود حكومة جديدة في سوريا، بات الطريق القانوني مفتوحًا أكثر من أي وقت مضى لمقاضاة إيران أمام المحاكم الدولية، سواء عبر محكمة العدل الدولية أو عبر محاكم الولاية القضائية العالمية كما يحدث في أوروبا.
لقد ارتبط التدخل الإيراني عبر الحرس الثوري وميليشياته بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية: قتل المدنيين، اقتحام المدن، تهجير السكان، وتدمير أحياء كاملة. هذه الانتهاكات تشكل أساسًا متينًا لدعاوى قانونية شاملة ضد إيران.
منطق التعويضات بدل منطق الديون:
المفارقة أن إيران تطالب حكومة جديدة لم تستدعِ تدخلها أصلًا، بديون دعمها للنظام السابق، بينما الواقع يفرض أن تكون هي المطالَبة بتعويضات ضخمة عن:
– قتل المدنيين،
– تهجير السكان،
– تدمير البنى التحتية،
– وتمكين شبكات الميليشيات التي ضربت استقرار المجتمع والدولة.
هذه ليست سابقة جديدة في العلاقات الدولية، فقد طالبت دول متضررة سابقًا بتعويضات من دول تدخلت عسكريًا على أراضيها، واستندت إلى تقارير دولية ووثائق ميدانية أثبتت مشاركتها في جرائم واسعة النطاق. والملف السوري غني بالأدلة التي يمكن أن تُستخدم ضد إيران.
الشرط السياسي:
التحدي لم يعد في غياب سلطة شرعية، بل في قدرة الحكومة السورية الجديدة على امتلاك الإرادة والشجاعة لفتح ملفات الجرائم والانتهاكات، وإعادة ترسيم العلاقة السورية–الإيرانية على أساس العدالة لا على أساس الديون.
هذه الخطوة لن تكون مجرد ورقة قانونية، بل تأسيس لرواية سورية جديدة تحدد بوضوح من دمّر البلاد ومن يستحق أن يُحاسب، ومن يدفع الفاتورة الحقيقية.
لماذا الآن؟
لأن لحظة الحساب لا يمكن أن تبقى مؤجلة. ما جرى في سوريا لم يكن مجرد صراع داخلي، بل شبكة تدخلات خارجية غيّرت البنية السكانية والسياسية للبلاد، وكانت إيران أحد أعمدتها الرئيسية. فتح هذا الملف ليس انتقامًا، بل تأسيس لمبدأ واضح: لا يمكن لدولة أن تدمّر بلدك ثم تطالبك بدفع الفاتورة.
نهاية مفتوحة:
بين ديون إيران المزعومة وتعويضات السوريين المستحقة، على الدولة السورية الجديدة أن تؤكد أن البداية ليست من الديون… بل من العدالة.
أحمد سليمان
المقال صادر عن نشطاء الرأي
الرابط :
https://opl-now.org/2025/11/21/sleiman-5

المزيد من المواضيع
وداعاً لقانون قيصر المشؤوم.. إلغاء غير مشروط وسوريا تطوي صفحة العقوبات
الحقيقة المجتزأة في «ملفّ دمشق» فصل جديد من وثائق التعذيب والقتل الممنهج في سجون النظام الأسدي
مكابس الموت… قراءة متأمّلة ودعوة للتهدئة