26 ديسمبر, 2025

نداء قانوني إلى الادعاء العام بشأن تصريحات عنصرية صادرة من منصة برلمانية

تقوم الدولة الدستورية في ألمانيا على مبدأ غير قابل للمساومة: كرامة الإنسان مصونة، كما ورد صراحةً في المادة (1) من القانون الأساسي (Grundgesetz). هذا المبدأ لا يُعد شعارًا أخلاقيًا، بل قاعدة قانونية مُلزمة تتقدّم على جميع اعتبارات الخطاب السياسي. وفي حين تكفل المادة (5) من القانون الأساسي حرية التعبير، فإن هذه الحرية تتوقف قانونًا عندما تتحول إلى تحقير جماعي أو تحريض ضد فئات محددة من السكان.
في هذا الإطار، تثير التصريحات العلنية الصادرة عن النائبة إنجهي سيلي-زاخارياس (Enxhi Seli-Zacharias)، العضو في برلمان ولاية شمال الراين–وستفاليا عن حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD)، شبهة قانونية جدية تستوجب الفحص من قبل الادعاء العام. فمضمون هذه التصريحات، بحسب ما نُقل وتداولته وسائل إعلام ونقاشات عامة، لا يندرج ضمن نقد سياسات الهجرة أو النقاش المشروع حول الأمن العام، بل يقوم على تعميم مهين بحق “السوريين” بوصفهم جماعة وطنية محددة، وربطهم على نحو شامل بالإرهاب والإجرام، ونسب صفات أخلاقية جارحة إليهم.

من الزاوية القانونية، يخرج هذا الخطاب عن نطاق الحماية التي توفرها حرية الرأي، ويقترب من نطاق التجريم وفق:
*§130 من قانون العقوبات الألماني (Volksverhetzung)، الذي يجرّم التحريض ضد فئة من السكان أو إهانتها أو الحطّ من كرامتها على نحو من شأنه الإخلال بالسلم العام.
*§185 من قانون العقوبات (Beleidigung)، في حال اعتُبر الخطاب إهانة جماعية موجّهة إلى جماعة محددة على أساس الأصل القومي.
وتزداد خطورة هذه التصريحات بسبب صدورها من تحت قبة البرلمان، وهو ما يمنحها وزنًا مؤسسيًا وتأثيرًا مضاعفًا على الرأي العام. فالبرلمان، بوصفه مؤسسة دستورية، ليس منبرًا للتعميم العنصري، بل فضاءً يُفترض أن يُجسّد احترام الدستور وقيمه.
صحيح أن المادة (46) من القانون الأساسي توفّر حصانة برلمانية، إلا أن هذه الحصانة ليست مطلقة، ولا تمنع فتح تحقيق أولي، ولا تحمي خطابًا يخرج عن إطار العمل البرلماني الوظيفي ليدخل في نطاق القانون الجنائي العام.
ولا يمكن تجاهل السياق السياسي الأوسع، إذ تنسجم هذه التصريحات مع نمط خطابي معروف داخل حزب AfD، يعتمد في حالات متكررة على التعميم ضد المهاجرين واللاجئين، والانتقال من نقد السياسات إلى شيطنة الفئات المتأثرة بها. هذا السياق يُعد عنصرًا ذا أهمية في التقييم القانوني، لكونه يساعد في تقدير القصد الخطابي وتأثيره التراكمي على السلم الأهلي.
من منظور دستوري، تقوم العنصرية على إلغاء الفرد وتحويله إلى صورة نمطية جماعية. استخدام مصطلح “السوريين” بوصفهم كتلة واحدة متجانسة، وتحميلهم مسؤولية جماعية عن أفعال مزعومة، يُشكّل مساسًا مباشرًا بمبدأ الكرامة الإنسانية الذي لا يخضع لأي موازنة سياسية.

وبناءً عليه، فإن هذه القضية تستوجب:

1.فتح تحقيق أولي من قبل الادعاء العام لتقييم مدى انطباق §130 و§185 من قانون العقوبات.
2.فحص نطاق الحصانة البرلمانية وفق المادة (46) من القانون الأساسي، وتحديد ما إذا كانت التصريحات تخرج عن إطار العمل البرلماني المشروع.
3.توجيه رسالة قانونية واضحة بأن المنصب النيابي لا يشكّل مظلة للعنصرية أو نزع الإنسانية.
إن ملاحقة الدعوات العنصرية ليست تقييدًا لحرية الرأي، بل حماية لها من التحول إلى أداة هدم اجتماعي. كما أنها ليست دفاعًا عن فئة بعينها فقط، بل دفاع عن جوهر الدولة الدستورية الألمانية ذاتها. فالتغاضي عن نزع الإنسانية عن جماعة اليوم يفتح الباب لاستهداف جماعات أخرى غدًا عندما تقتضي الحسابات الشعبوية ذلك.
إن تطبيق القانون في هذه الحالة هو اختبار حقيقي، ورسالة مفادها أن كرامة الإنسان في ألمانيا ليست مبدأً انتقائيًا، بل التزامًا قانونيًا لا يسقط تحت أي ظرف.

 

الرابط : https://opl-now.org/2025/12/26/opl-52/

 

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب